1 لما كان كثيرون قد أقدموا على تدوين قصة في الأحداث التي تمت بيننا،
2 كما سلمها إلينا أولئك الذين كانوا من البداية شهود عيان، ثم صاروا خداما للكلمة،
3 رأيت أنا أيضا، بعدما تفحصت كل شيء من أول الأمر تفحصا دقيقا، أن أكتبها إليك مرتبة ياصاحب السمو ثاوفيلس
4 لتتأكد لك صحة الكلام الذي تلقيته.
5 كان في زمن هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا، من فرقة أبيا، وزوجته من نسل هارون، واسمها أليصابات.
6 وكان كلاهما بارين أمام الله، يسلكان وفقا لوصايا الرب وأحكامه كلها بغير لوم.
7 ولكن لم يكن لهما ولد، إذ كانت أليصابات عاقرا وكلاهما قد تقدما في السن كثيرا.
8 وبينما كان زكريا يؤدي خدمته الكهنوتية أمام الله في دور فرقته،
9 وقعت عليه القرعة التي ألقيت حسب عادة الكهنوت ليدخل هيكل الرب ويحرق البخور.
10 وكان جمهور الشعب جميعا يصلون خارجا في وقت إحراق البخور.
11 فظهر له ملاك من عند الرب واقفا عن يمين مذبح البخور.
12 فاضطرب زكريا لما رآه واستولى عليه الخوف.
13 فقال له الملاك: «لا تخف يازكريا، لأن طلبتك قد سمعت، وزوجتك أليصابات ستلد لك ابنا، وأنت تسميه يوحنا،
14 ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته.
15 وسوف يكون عظيما أمام الرب، ولا يشرب خمرا ولا مسكرا، ويمتليء بالروح القدس وهو بعد في بطن أمه،
16 ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم،
17 فيتقدم أمامه وله روح إيليا وقدرته، ليرد قلوب الآباء إلى الأولاد، والعصاة إلى حكمة الأبرار، ليهييء للرب شعبا معدا!»
18 فسأل زكريا الملاك: «بم يتأكد لي هذا، فأنا شيخ كبير وزوجتي متقدمة في السن؟»
19 فأجابه الملاك: «أنا جبرائيل، الواقف أمام الله، وقد أرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا.
20 وها أنت ستبقى صامتا لا تستطيع الكلام، إلى اليوم الذي يحدث فيه هذا، لأنك لم تصدق كلامي، وهو سيتم في حينه».
21 وكان الشعب منتظرين زكريا، وهم متعجبون من تأخره داخل الهيكل.
22 ولكنه لما خرج لم يقدر أن يكلمهم، فأدركوا أنه رأى رؤيا داخل الهيكل. فأخذ يشير لهم وظل أخرس.
23 ولما أتم أيام خدمته، رجع إلى بيته.
24 وبعد تلك الأيام، حبلت أليصابات زوجته، فكتمت أمرها خمسة أشهر، قائلة:
25 «هكذا فعل الرب بي، في الأيام التي فيها نظر إلي لينزع عني العار من بين الناس! »
26 وفي شهرها السادس، أرسل الملاك جبر ائيل من قبل الله إلى مدينة بالجليل اسمها الناصرة،
27 إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف، من بيت داود، واسم العذراء مريم.
28 فدخل الملاك وقال لها: «سلام، أيتها المنعم عليها! الرب معك: مباركة أنت بين النساء».
29 فاضطربت لكلام الملاك، وساءلت نفسها: «ما عسى أن تكون هذه التحية!»
30 فقال لها الملاك: «لا تخافي يامريم، فإنك قد نلت نعمة عند الله!
31 وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا، وتسمينه يسوع.
32 إنه يكون عظيما، وابن العلي يدعى، ويمنحه الرب الإله عرش داود أبيه،
33 فيملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولن يكون لملكه نهاية».
34 فقالت مريم للملاك: «كيف يحدث هذا، وأنا لست أعرف رجلا؟»
35 فأجابها الملاك: «الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك أيضا فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله.
36 وها هي نسيبتك أليصابات أيضا قد حبلت بابن في سنها المتقدمة. وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرا.
37 فليس لدى الله وعد يستحيل عليه إتمامه».
38 فقالت مريم: «ها أنا عبدة الرب. ليكن لي كما تقول!» ثم انصرف الملاك من عندها.
39 وفي تلك الأيام، قامت مريم وذهبت مسرعة إلى الجبال، قاصدة إلى مدينة من مدن يهوذا.
40 فدخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات.
41 ولما سمعت أليصابات سلام مريم، قفز الجنين داخل بطنها. وامتلأت أليصابات من الروح القدس،
42 وهتفت بصوت عال قائلة: «مباركة أنت بين النساء! ومباركة ثمرة بطنك!
43 فمن أين لي هذا: أن تأتي إلي أم ربي؟
44 فإنه ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى قفز الجنين ابتهاجا في بطني:
45 فطوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب! »
46 فقالت مريم: «تعظم نفسي الرب،
47 وتبتهج روحي بالله مخلصي.
48 فإنه نظر إلى تواضع أمته، وها إن جميع الأجيال من الآن فصاعدا سوف تطوبني.
49 فإن القدير قد فعل بي أمورا عظيمة، قدوس اسمه،
50 ورحمته للذين يتقونه جيلا بعد جيل.
51 عمل بذراعه قوة؛ شتت المتكبرين في نيات قلوبهم.
52 أنزل المقتدرين عن عروشهم، ورفع المتواضعين.
53 أشبع الجياع خيرات، وصرف الأغنياء فارغين.
54 أعان إسرائيل فتاه، متذكرا الرحمة،
55 كما تكلم إلى آبائنا، لإبراهيم ونسله إلى الأبد».
56 وأقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر، ثم رجعت إلى بيتها.
57 وأما أليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا.
58 وسمع جيرانها وأقاربها أن الرب أفاض رحمته عليها، ففرحوا معها.
59 وفي اليوم الثامن حضروا ليختنوا الصبي، وكادوا يسمونه زكريا على اسم أبيه.
60 ولكن أمه قالت: «لا، بل يسمى يوحنا!»
61 فقالوا لها: «ليس في عشيرتك أحد تسمى بهذا الاسم».
62 وأشاروا لأبيه، ماذا يريد أن يسمى.
63 فطلب لوحا وكتب فيه: «اسمه يوحنا». فتعجبوا جميعا.
64 وانفتح فم زكريا في الحال وانطلق لسانه، فتكلم مباركا الله .
65 فاستولى الخوف على جميع الساكنين في جوارهم، وصارت هذه الأمور موضوع الحديث في جبال اليهودية كلها.
66 وكان جميع السامعين يضعونها في قلوبهم، قائلين: «ترى، ماذا سيصير هذا الطفل؟» فقد كانت يد الرب معه.
67 وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس، فتنبأ قائلا:
68 «تبارك الرب إله إسرائيل، لأنه تفقد شعبه وعمل له فداء،
69 وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه،
70 كما تكلم بلسان أنبيائه القديسين الذين جاءوا منذ القديم:
71 خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا،
72 ليتم الرحمة نحو آبائنا ويتذكر عهده المقدس
73 ذلك القسم الذي أقسم لإبراهيم أبينا: بأن يمنحنا،
74 بعد تخليصنا من أيدي أعدائنا، أن نعبده بلا خوف،
75 بقداسة وبر أمامه، طوال حياتنا.
76 وأنت، أيها الطفل، سوف تدعى نبي العلي، لأنك ستتقدم أمام الرب لتعد طرقه،
77 لتعطي شعبه المعرفة بأن الخلاص هو بمغفرة خطاياهم
78 بفضل عواطف الرحمة لدى إلهنا، تلك التي تفقدنا بها الفجر المشرق من العلاء،
79 ليضيء على القابعين في الظلام وظل الموت، ويهدي خطانا في طريق السلام».
80 وكان الطفل ينمو ويتقوى بالروح؛ وأقام في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.
1 وفي ذلك الزمان، أصدر القيصر أغسطس مرسوما يقضي بإحصاء سكان الإمبراطورية.
2 وقد تم هذا الإحصاء الأول عندما كان كيرينيوس حاكما لسورية.
3 فذهب الجميع ليسجلوا، كل واحد إلى بلدته.
4 وصعد يوسف أيضا من مدينة الناصرة بمنطقة الجليل إلى مدينة داود المدعوة بيت لحم بمنطقة اليهودية، لأنه كان من بيت داود وعشيرته،
5 ليتسجل هناك مع مريم المخطوبة له، وهي حبلى.
6 وبينما كانا هناك، تم زمانها لتلد،
7 فولدت ابنها البكر، ولفته بقماط، وأنامته في مذود، إذ لم يكن لهما متسع في المنزل.
8 وكان في تلك المنطقة رعاة يبيتون في العراء، يتناوبون حراسة قطيعهم في الليل.
9 وإذا ملاك من عند الرب قد ظهر لهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا أشد الخوف.
10 فقال لهم الملاك: «لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يعم الشعب كله:
11 فقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.
12 وهذه هي العلامة لكم. تجدون طفلا ملفوفا بقماط ونائما في مذود».
13 وفجأة ظهر مع الملاك جمهور من الجند السماوي، يسبحون الله قائلين:
14 «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام؛ وبالناس المسرة! »
15 ولما انصرف الملائكة عن الرعاة إلى السماء، قال بعضهم لبعض: «لنذهب إذن إلى بيت لحم، وننظر هذا الأمر الذي حدث وقد أعلمنا به الرب!»
16 وجاءوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف، والطفل نائما في المذود.
17 فلما رأوا ذلك، أخذوا يخبرون بما قيل لهم بخصوص هذا الطفل.
18 وجميع الذين سمعوا بذلك دهشوا مما قاله لهم الرعاة.
19 وأما مريم، فكانت تحفظ هذه الأمور جميعا، وتتأملها في قلبها.
20 ثم رجع الرعاة يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم.
21 ولما تمت ثمانية أيام ليختن الطفل، سمي يسوع، كما كان قد سمي بلسان الملاك قبل أن يحبل به في البطن.
22 ثم لما تمت الأيام لتطهيرها حسب شريعة موسى، صعدا به إلى أورشليم ليقدماه إلى الرب،
23 كما كتب في شريعة الرب: «كل بكر من الذكور يدعى قدسا للرب»،
24 وليقدما ذبيحة كما يوصى في شريعة الرب: «زوجي يمام، أو فرخي حمام».
25 وكان في أورشليم رجل اسمه سمعان، وهو رجل بار تقي ينتظر العزاء لإسرائيل وكان الروح القدس عليه.
26 وكان الروح القدس قد أوحى إليه أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب،
27 وقد جاء إلى الهيكل بدافع من الروح. فلما أحضر الأبوان الطفل يسوع ليقدما عنه ما سن في الشريعة،
28 حمله على ذراعيه وبارك الله ، وقال:
29 «أيها السيد، الآن تطلق عبدك بسلام حسب وعدك!
30 فإن عيني قد أبصرتا خلاصك
31 الذي هيأته لتقدمه إلى الشعوب كلها،
32 نور هداية للأمم ومجدا لشعبك إسر ائيل».
33 وكان أبوه وأمه يتعجبان من هذا الكلام الذي قيل فيه.
34 فباركهما سمعان، وقال لمريم أم الطفل: «ها إن هذا الطفل قد جعل لسقوط كثيرين وقيام كثيرين في إسرائيل، وآية تقاوم
35 حتى أنت سيخترق نفسك سيف لكي تنكشف نيات قلوب كثيرة! »
36 وكانت هناك نبية، هي حنة بنت فنوئيل من سبط أشير، وهي متقدمة في السن، وكانت قد عاشت مع زوجها سبع سنين بعد عذراويتها،
37 وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة. لم تكن تفارق الهيكل وكانت تتعبد ليلا ونهارا بالصوم والدعاء.
38 فإذ حضرت في تلك الساعة، أخذت تسبح الرب وتتحدث عن يسوع مع جميع الذين كانوا ينتظرون فداء في أورشليم.
39 وبعد إتمام كل ما تقتضيه شريعة الرب، رجعوا إلى مدينتهم الناصرة بالجليل.
40 وكان الطفل ينمو ويتقوى، ممتلئا حكمة، وكانت نعمة الله عليه.
41 وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح.
42 فلما بلغ سن الثانية عشرة، صعدوا إلى أورشليم كالعادة في العيد.
43 وبعد انتهاء أيام العيد، رجعا، وبقي الصبي يسوع في أورشليم، وهما لا يعلمان.
44 ولكنهما إذ ظناه بين الرفاق، سارا مسيرة يوم واحد ثم أخذا يبحثان عنه بين الأقارب والمعارف.
45 ولما لم يجداه، رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه.
46 وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، جالسا وسط المعلمين يستمع إليهم ويطرح عليهم الأسئلة.
47 وجميع الذين سمعوه ذهلوا من فهمه وأجوبته.
48 فلما رأياه دهشا، وقالت له أمه: «يابني، لماذا عملت بنا هكذا؟ فقد كنا، أبوك وأنا، نبحث عنك متضايقين!»
49 فأجابهما: «لماذا كنتما تبحثان عني؟ ألم تعلما أن علي أن أكون في ما يخص أبي؟»
50 فلم يفهما ما قاله لهما.
51 ثم نزل معهما ورجع إلى الناصرة، وكان خاضعا لهما. وكانت أمه تحفظ هذه الأمور كلها في قلبها.
52 أما يسوع، فكان يتقدم في الحكمة والقامة، وفي النعمة عند الله والناس.
1 وفي السنة الخامسة عشرة من ملك القيصر طيباريوس؛ حين كان بيلاطس البنطي حاكما على منطقة اليهودية، وهيرودس حاكم ربع على الجليل وأخوه فيلبس حاكم ربع على إيطورية وإقليم تراخونيتس، وليسانيوس حاكم ربع على الأبلية؛
2 في زمان رئاسة حنان وقيافا للكهنة؛ كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا وهو في البرية.
3 فانطلق إلى جميع النواحي المحيطة بنهر الأردن ينادي بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا،
4 كما كتب في كتاب أقوال النبي إشعياء: «صوت مناد في البرية: أعدوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة.
5 كل واد سيردم، وكل جبل وتل سيخفض، وتصير الأماكن الملتوية مستقيمة والأماكن الوعرة طرقا مستوية،
6 فيبصر كل بشر الخلاص الإلهي! »
7 فقد كان يقول للجموع الذين خرجوا إليه ليتعمدوا على يده: «ياأولاد الأفاعي، من أنذركم لتهربوا من الغضب الآتي؟
8 فأثمروا أثمارا تليق بالتوبة، ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم: لنا إبراهيم أبا! فإني أقول لكم إن الله قادر أن يطلع من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم.
9 وها إن الفأس أيضا قد وضعت على أصل الشجر: فكل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتطرح في النار».
10 وسألته الجموع: «فماذا نفعل إذن؟»
11 فأجابهم: «من كان عنده ثوبان، فليعط من لا ثوب عنده؛ ومن كان عنده طعام، فليعمل كذلك أيضا».
12 وجاء أيضا جباة ضرائب ليتعمدوا، فسألوه: «يامعلم، ماذا نفعل؟»
13 فقال لهم: «لا تجبوا أكثر مما فرض لكم».
14 وسأله أيضا بعض الجنود: «ونحن، ماذا نفعل؟» فأجابهم: «لا تظلموا أحدا ولا تشتكوا كذبا على أحد، واقنعوا بمرتباتكم! »
15 وإذ كان الشعب منتظرين (المسيح)، والجميع يسائلون أنفسهم عن يوحنا: «هل هو المسيح؟»
16 أجاب يوحنا الجميع قائلا: «أنا أعمدكم بالماء، ولكن سيأتي من هو أقدر مني، من لا أستحق أن أحل رباط حذائه: هو سيعمدكم بالروح القدس، وبالنار.
17 فهو يحمل المذرى بيده لينقي بيدره تماما، فيجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ».
18 وكان يبشر الشعب ويعظهم بأشياء أخرى كثيرة.
19 ولكن هيرودس حاكم الربع، إذ كان يوحنا قد وبخه بسبب هيروديا زوجة أخيه وبسبب جميع ما ارتكبه من الشرور،
20 أضاف إلى شروره السابقة هذا الشر: أنه حبس يوحنا في السجن.
21 ولما تعمد الشعب جميعا، تعمد يسوع، وإذ كان يصلي، انفتحت السماء،
22 وهبط عليه الروح القدس متخذا هيئة جسمية مثل حمامة، وانطلق صوت من السماء يقول: «أنت ابني الحبيب بك سررت كل سرور! »
23 ولما بدأ يسوع (خدمته)، كان في الثلاثين من العمر تقريبا، وكان معروفا أنه ابن يوسف بن هالي،
24 بن متثات بن لاوي، بن ملكي بن ينا، بن يوسف
25 بن متاثيا، بن عاموص بن ناحوم، بن حسلي بن نجاي،
26 بن مآث بن متاثيا، بن شمعي بن يوسف، بن يهوذا
27 بن يوحنا، بن ريسا بن زربابل، بن شألتئيل بن نيري،
28 بن ملكي بن أدي، بن قصم بن ألمودام، بن عير
29 بن يوسي، بن أليعازر بن يوريم، بن متثات بن لاوي،
30 بن شمعون بن يهوذا، بن يوسف بن يونان، بن ألياقيم
31 بن مليا بن مينان، بن متاثا بن ناثان، بن داود
32 بن يسى، بن عوبيد بن بوعز، بن سلمون بن نحشون،
33 بن عميناداب بن أرام بن حصرون، بن فارص بن يهوذا،
34 بن يعقوب بن إسحاق، بن إبراهيم بن تارح، بن ناحور
35 بن سروج، بن رعو بن فالج، بن عابر بن شالح،
36 بن قينان بن أرفكشاد، بن سام بن نوح، بن لامك
37 بن متوشالح، بن أخنوخ بن يارد، بن مهللئيل بن قينان،
38 بن أنوش بن شيث، بن آدم ابن الله.
1 أما يسوع، فعاد من الأردن ممتلئا من الروح القدس. فاقتاده الروح في البرية
2 أربعين يوما، وإبليس يجربه، ولم يأكل شيئا طوال تلك الأيام. فلما تمت، جاع.
3 فقال له إبليس: «إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يتحول إلى خبز».
4 فرد عليه يسوع قائلا: «قد كتب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله!»
5 ثم أصعده إبليس إلى جبل عال، وأراه ممالك العالم كلها في لحظة من الزمن،
6 وقال له: «أعطيك السلطة على هذه الممالك كلها وما فيها من عظمة، فإنها قد سلمت إلى وأنا أعطيها لمن أشاء.
7 فإن سجدت أمامي، تصير كلها لك!»
8 فر د عليه يسوع قائلا: «قد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد!»
9 ثم اقتاده إبليس إلى أورشليم، وأوقفه على حافة سطح الهيكل، وقال له: «إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك من هنا إلى الأسفل
10 فإنه قد كتب: يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك،
11 فعلى أيديهم يحملونك، لئلا تصدم قدمك بحجر».
12 فرد عليه يسوع قائلا: «قد قيل: لا تجرب الرب إلهك!»
13 وبعدما أكمل إبليس كل تجربة، انصرف عن يسوع إلى أن يحين الوقت.
14 وعاد يسوع إلى منطقة الجليل بقدرة الروح؛ وذاع صيته في القرى المجاورة كلها.
15 وكان يعلم في مجامع اليهود، والجميع يمجدونه.
16 وجاء إلى الناصرة حيث كان قد نشأ، ودخل المجمع، كعادته، يوم السبت، ووقف ليقرأ.
17 فقدم إليه كتاب النبي إشعياء، فلما فتحه وجد المكان الذي كتب فيه:
18 «روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر الفقراء؛ أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعميان بالبصر، لأطلق المسحوقين أحرارا،
19 وأبشر بسنة القبول عند الرب».
20 ثم طوى الكتاب وسلمه إلى الخادم، وجلس. وكانت عيون جميع الحاضرين في المجمع شاخصة إليه.
21 فأخذ يخاطبهم قائلا: «اليوم تم ما قد سمعتم من آيات...»
22 وشهد له جميع الحاضرين، متعجبين من كلام النعمة الخارج من فمه، وتساءلوا: «أليس هذا ابن يوسف؟»
23 فقال لهم: «لا شك أنكم تقولون لي هذا المثل: أيها الطبيب اشف نفسك! فاصنع هنا في بلدتك ما سمعنا أنه جرى في كفرناحوم...»
24 ثم أضاف: «الحق أقول لكم: ما من نبي يقبل في بلدته.
25 وبالحقيقة أقول لكم: كان في إسرائيل أرامل كثيرات في زمان إيليا، حين أغلقت السماء ثلاث سنين وستة أشهر، حتى حدثت مجاعة عظيمة في الأرض كلها؛
26 ولكن إيليا لم يرسل إلى أية واحدة منهن بل إلى امرأة أرملة في صرفة صيدا.
27 وكان في إسرائيل، في زمان النبي أليشع، كثيرون مصابون بالبرص؛ ولكن لم يطهر أي واحد منهم، بل نعمان السوري!»
28 فامتلأ جميع من في المجمع غضبا لما سمعوا هذه الأمور،
29 وقاموا يدفعونه إلى خارج المدينة وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى الأسفل.
30 إلا أنه اجتاز من وسطهم، وانصرف.
31 ونزل إلى كفرناحوم، وهي مدينة بمنطقة الجليل، وأخذ يعلم الشعب أيام السبت.
32 فذهلوا من تعليمه، لأن كلمته كانت ذات سلطة.
33 وكان في المجمع رجل يسكنه روح شيطان نجس. فصرخ بصوت عال:
34 «آه! ما شأنك بنا يايسوع الناصري؟ أجئت لتهلكنا؟ أنا أعرف من أنت: أنت قدوس الله».
35 فزجره يسوع قائلا: «اخرس، واخرج منه». وإذ طرحه الشيطان في الوسط، خرج منه ولم يصبه بأذى.
36 فاستولت الدهشة على الجميع، وأخذوا يتساءلون في ما بينهم: «أي كلمة هي هذه؟ فإنه بسلطان وقدرة يأمر الأرواح النجسة فتخرج!»
37 وذاع صيته في كل مكان من المنطقة المجاورة.
38 ثم غادر المجمع، ودخل بيت سمعان. وكانت حماة سمعان تعاني حمى شديدة، فطلبوا إليه إعانتها.
39 فوقف بجانب فراشها، وزجر الحمى، فذهبت عنها. فوقفت في الحال وأخذت تخدمهم.
40 ولما غربت الشمس، أخذ جميع الذين كان عندهم مرضى مصابون بعلل مختلفة يحضرونهم إليه، فوضع يديه على كل واحد منهم، وشفاهم.
41 وخرجت أيضا شياطين من كثيرين، وهي تصرخ قائلة: «أنت ابن الله!» فكان يزجرهم ولا يدعهم يتكلمون، إذ عرفوا أنه المسيح.
42 ولما طلع النهار، خرج وذهب إلى مكان مقفر. فبحثت الجموع عنه حتى وجدوه، وتمسكوا به لئلا يرحل عنهم.
43 ولكنه قال لهم: «لابد لي من أن أبشر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت».
44 ومضى يبشر في مجامع اليهودية.
1 وبينما كان الجمع محتشدين حوله ليسمعوا كلمة الله، كان هو واقفا على شاطيء بحيرة جنيسارت.
2 فرأى قاربين راسيين على جانب البحيرة وقد غادرهما الصيادون، وكانوا يغسلون الشباك.
3 فركب أحد القاربين، وكان لسمعان، وطلب إليه أن يبتعد قليلا عن البر، ثم جلس يعلم الجموع من القارب.
4 ولما أنهى كلامه، قال لسمعان: «ابتعد إلى حيث العمق، واطرحوا شباككم للصيد».
5 فأجابه سمعان: «ياسيد قد جاهدنا طوال الليل ولم نصد شيئا. ولكن لأجل كلمتك سأطرح الشباك !»
6 ولما فعلوا ذلك، صادوا سمكا كثيرا جدا، حتى تخرقت شباكهم.
7 فأشاروا إلى شركائهم الذين في القارب الآخر أن يأتوا ويساعدوهم. فأتوا، وملأوا القاربين كليهما حتى كادا يغرقان.
8 ولكن لما رأى سمعان بطرس ذلك، جثا عند ركبتي يسوع وقال: «اخرج من قاربي يارب، لأني إنسان خاطيء».
9 فقد استولت الدهشة عليه وعلى جميع الذين كانوا معه، لكثرة الصيد الذي صادوه،
10 وكذلك على يعقوب ويوحنا ابني زبدي اللذين كانا شريكين لسمعان. وقال يسوع لسمعان: «لا تخف! منذ الآن تكون صائدا للناس».
11 وبعدما رجعوا بالقاربين إلى البر، تركوا كل شيء وتبعوا يسوع.
12 وإذ كان يسوع في إحدى المدن، إذا إنسان يغطي البرص جسمه، ما إن رأى يسوع حتى خر على وجهه وتوسل إليه قائلا: «ياسيد، إن شئت فأنت قادر أن تطهرني!»
13 فمد يسوع يده ولمسه قائلا: «إني أريد، فاطهر!» وفي الحال زال عنه البرص.
14 فأوصاه: «لا تخبر أحدا، بل اذهب واعرض نفسك على الكاهن، وقدم لقاء تطهيرك ما أمر به موسى، فيكون ذلك شهادة لهم».
15 على أن خبر يسوع زاد انتشارا، حتى توافدت إليه جموع كثيرة ليستمعوا إليه وينالوا الشفاء من أمراضهم.
16 أما هو، فكان ينسحب إلى الأماكن المقفرة حيث يصلي.
17 وفي ذات يوم، كان يعلم، وكان بين الجالسين بعض الفريسيين ومعلمي الشريعة، وقد أتوا من كل قرية في الجليل واليهودية، ومن أورشليم. وظهرت قدرة الرب لتشفيهم.
18 وإذا بعضهم يحملون على فراش إنسانا مشلولا، حاولوا أن يدخلوا به ويضعوه أمامه.
19 ولما لم يجدوا طريقا لإدخاله بسبب الزحام، صعدوا به إلى السطح ودلوه من بين اللبن على فراشه إلى الوسط قدام يسوع.
20 فلما رأى إيمانهم، قال: «أيها الإنسان، قد غفرت لك خطاياك!»
21 فأخذ الكتبة والفريسيون يفكرون قائلين: «من هذا الذي ينطق بكلام التجديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟»
22 ولكن يسوع أدرك ما يفكرون فيه، فأجابهم قائلا: «فيم تفكرون في قلوبكم؟
23 أي الأمرين أسهل: أن أقول: قد غفرت لك خطاياك! أم أن أقول: قم وامش؟
24 ولكني (قلت ذلك) لكي تعلموا أن لابن الإنسان على الأرض سلطة غفران الخطايا...» وقال للمشلول: «لك أقول: قم احمل فراشك، واذهب إلى بيتك».
25 وفي الحال قام أمامهم وذهب إلى بيته ممجدا الله ، وقد حمل ما كان راقدا عليه.
26 فأخذت الحيرة الجميع، ومجدوا الله؛ وقد تملكهم الخوف، وقالوا: «رأينا اليوم عجائب! »
27 وخرج بعد ذلك فرأى جابي ضرائب، اسمه لاوي، جالسا في مكتب الجباية، فقال له: «اتبعني!»
28 فقام لاوي وتبعه تاركا كل شيء.
29 وأقام له وليمة عظيمة في بيته، وكان متكئا معهم جمع كبير من الجباة وغيرهم.
30 فتذمر كتبة اليهود والفريسيون على تلاميذه، قائلين: «لماذا تأكلون وتشربون مع جباة ضرائب وخاطئين؟»
31 فرد عليهم يسوع قائلا: «ليس الأصحاء هم المحتاجين إلى الطبيب، بل المرضى!
32 ما جئت لأدعو إلى التوبة أبرارا بل خاطئين! »
33 وقالوا له: «إن تلاميذ يوحنا يصومون كثيرا ويرفعون الطلبات، وكذلك يفعل أيضا تلاميذ الفريسيين؛ وأما تلاميذك فيأكلون ويشر بون!»
34 فقال لهم: «هل تقدرون أن تجعلوا أهل العرس يصومون مادام العريس بينهم؟
35 ولكن أياما ستأتي يكون العريس فيها قد رفع من بينهم، فحينئذ، في تلك الأيام، يصومون».
36 وضرب لهم أيضا مثلا: «لا أحد ينتزع قطعة من ثوب جديد ليرقع بها ثوبا عتيقا، وإلا فإنه يمزق الجديد، والرقعة المأخوذة من الجديد لا توافق العتيق.
37 ولا أحد يضع خمرا جديدة في قرب عتيقة، وإلا، فإن الخمر الجديدة تفجر القرب، فتراق الخمر وتتلف القرب.
38 وإنما يجب أن توضع الخمر الجديدة في قرب جديدة.
39 وما من أحد إذا شرب الخمر العتيقة، يرغب في الجديدة، لأنه يقول: العتيقة أطيب! »
1 وذات سبت مر يسوع بين الحقول، فأخذ تلاميذه يقطفون سنابل القمح ويفركونها بأيديهم ثم يأكلون.
2 ولكن بعض الفريسيين قالوا لهم: «لماذا تفعلون ما لا يحل فعله في السبت؟»
3 فرد عليهم يسوع قائلا: «أما قرأتم ما فعله داود حينما جاع مع مرافقيه؟
4 كيف دخل بيت الله وأخذ خبز التقدمة وأكل منه، وأعطى مرافقيه، مع أن الأكل من هذا الخبز لا يحل إلا للكهنة وحدهم؟»
5 ثم قال لهم: «إن ابن الإنسان هو رب السبت! »
6 وفي سبت آخر، دخل المجمع وأخذ يعلم. وكان هنالك رجل يده اليمنى يابسة.
7 فأخذ الكتبة والفريسيون يراقبون يسوع: هل يشفي في السبت، لكي يجدوا ما يتهمونه به.
8 إلا أنه علم نياتهم، وقال للرجل الذي يده يابسة: «قم، وقف في الوسط!» فقام، ووقف هناك.
9 فقال لهم يسوع: «أسألكم سؤالا: أيحل في السبت فعل الخير أم فعل الشر؟ تخليص النفس أو إهلاكها؟»
10 وبعدما أدار نظره فيهم جميعا، قال له: «مد يدك!» فمد يده، فعادت يده صحيحة.
11 ولكن الحماقة استولت عليهم حتى أخذوا يتشاورون في ما بينهم ماذا يفعلون بيسوع.
12 وفي تلك الأيام، خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله.
13 ولما طلع النهار، استدعى تلاميذه، واختار منهم اثني عشر سماهم أيضا رسلا.
14 وهم: سمعان، وقد سماه أيضا بطرس، وأندراوس أخوه؛ يعقوب، ويوحنا؛ فيلبس، وبرثلماوس؛
15 متى، وتوما؛ يعقوب بن حلفى، وسمعان المعروف بالغيور؛
16 يهوذا أخو يعقوب، ويهوذا الإسخريوطي الذي خانه في ما بعد.
17 ثم نزل معهم، ووقف في مكان سهل، هو وجماعة من تلاميذه، وجمهور كبير من الشعب، من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيدا،
18 جاءوا ليسمعوه وينالوا الشفاء من أمراضهم. والذين كانت تعذبهم الأرواح النجسة كانوا يشفون.
19 وكان الجمع كله يسعون إلى لمسه، لأن قدرة كانت تخرج منه وتشفيهم جميعا.
20 ثم رفع عينيه إلى تلاميذه وقال: «طوبى لكم أيها المساكين، فإن لكم ملكوت الله!
21 طوبى لكم أيها الجائعون الآن، فإنكم سوف تشبعون. طوبى لكم أيها الباكون الآن، فإنكم سوف تضحكون.
22 طوبى لكم متى أبغضكم الناس، وعزلوكم، وأهانوا اسمكم ونبذوه كأنه شرير، من أجل ابن الإنسان.
23 افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا، فها إن مكافأتكم في السماء عظيمة: لأنه هكذا عامل آباؤهم الأنبياء.
24 «ولكن الويل لكم أنتم الأغنياء، فإنكم قد نلتم عزاءكم!
25 الويل لكم أيها المشبعون الآن، فإنكم سوف تجوعون. الويل لكم أيها الضاحكون الآن، فإنكم سوف تنوحون وتبكون.
26 الويل لكم إذا امتدحكم جميع الناس، فإنه هكذا عامل آباؤهم الأنبياء الدجالين.
27 «وأما لكم أيها السامعون، فأقول: أحبوا أعداءكم؛ أحسنوا معاملة الذين يبغضونكم؛
28 باركوا لاعنيكم؛ صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم.
29 ومن ضربك على خدك، فاعرض له الخد الآخر أيضا. ومن انتزع رداءك، فلا تمنع عنه ثوبك أيضا.
30 أي من طلب منك شيئا فأعطه؛ ومن اغتصب مالك، فلا تطالبه.
31 وبمثل ما تريدون أن يعاملكم الناس عاملوهم أنتم أيضا.
32 فإن أحببتم الذين يحبونكم، فأي فضل لكم؟ فحتى الخاطئون يحبون الذين يحبونهم!
33 وإن أحسنتم معاملة الذين يحسنون معاملتكم، فأي فضل لكم؟ فحتى الخاطئون يفعلون هكذا!
34 وإن أقرضتم الذين تأملون أن تستوفوا منهم، فأي فضل لكم؟ فحتى الخاطئون يقرضون الخاطئين لكي يستوفوا منهم ما يساوي قرضهم.
35 ولكن، أحبوا أعداءكم، وأحسنوا المعاملة، وأقرضوا دون أن تأملوا استيفاء القرض، فتكون مكافأتكم عظيمة، وتكونوا أبناء العلي، لأنه ينعم على ناكري الجميل والأشرار.
36 فكونوا أنتم رحماء، كما أن أباكم رحيم.
37 ولا تدينوا، فلا تدانوا. لا تحكموا على أحد، فلا يحكم عليكم. اغفروا، يغفر لكم.
38 أعطوا، تعطوا: فإنكم تعطون في أحضانكم كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا، لأنه بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم».
39 وأخذ يضرب لهم المثل، فقال: «هل يقدر الأعمى أن يقود أعمى؟ ألا يسقطان معا في حفرة؟
40 ليس التلميذ أرفع من معلمه، بل كل من يتكمل يصير مثل معلمه!
41 ولماذا تلاحظ القشة في عين أخيك، ولكنك لا تتنبه إلى الخشبة الكبيرة في عينك؟
42 أو كيف تقدر أن تقول لأخيك: ياأخي، دعني أخرج القشة التي في عينك! وأنت لا تلاحظ الخشبة التي في عينك أنت. يامرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وعندئذ تبصر جيدا لتخرج القشة التي في عين أخيك.
43 فإنه ما من شجرة جيدة تنتج ثمرا رديئا، ولا شجرة رديئة تنتج ثمرا جيدا:
44 لأن كل شجرة تعرف من ثمرها. فلا يجنى من الشوك تين، ولا يقطف من العليق عنب.
45 إن الإنسان الصالح، من كنزه الصالح في قلبه يطلع ما هو صالح. أما الشرير، فمن كنزه الشرير يطلع ما هو شرير: لأنه من فيض القلب يتكلم فمه.
46 ولماذا تدعونني: يارب، يارب! ولا تعملون بما أقوله؟
47 كل من يأتي إلي، فيسمع كلامي ويعمل به، أريكم من يشبه.
48 إنه يشبه إنسانا يبني بيتا، فحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر. ثم هطل مطر غزير وصدم السيل ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسسا على الصخر.
49 وأما من سمع ولم يعمل، فهو يشبه إنسانا بنى بيتا على الأرض دون أساس. فلما صدمه السيل، انهار في الحال؛ وكان خراب ذلك البيت جسيما! »
1 وبعدما أتم إلقاء أقواله كلها في مسامع الشعب، دخل بلدة كفرناحوم.
2 وكان عند قائد مئة عبد مريض قد أشرف على الموت، وكان عزيزا عليه.
3 فلما سمع بيسوع، أرسل إليه شيوخ اليهود، متوسلا إليه أن يأتي وينقذ عبده.
4 ولما أدركوا يسوع، طلبوا إليه بإلحاح قائلين: «إنه يستحق أن تمنحه طلبه،
5 فهو يحب أمتنا، وقد بنى لنا المجمع».
6 فرافقهم يسوع. ولكن ما إن أصبح على مقربة من البيت، حتى أرسل إليه قائد المئة بعض أصدقائه، يقول له: «ياسيد، لا تكلف نفسك، لأني لا أستحق أن تدخل تحت سقف بيتي.
7 ولذلك لا أعتبر نفسي أهلا لأن ألاقيك. إنما قل كلمة، فيشفى خادمي:
8 فأنا أيضا رجل موضوع تحت سلطة أعلى مني، ولي جنود تحت إمرتي، أقول لأحدهم: اذهب! فيذهب؛ ولغيره: تعال! فيأتي؛ ولعبدي: افعل هذا! فيفعل».
9 فلما سمع يسوع ذلك، تعجب منه، ثم التفت إلى الجمع الذي يتبعه، وقال: «أقول لكم: لم أجد حتى في إسرائيل إيمانا عظيما كهذا!»
10 ولما رجع المرسلون إلى البيت، وجدوا العبد المريض قد تعافى.
11 وفي اليوم التالي، ذهب إلى مدينة اسمها نايين، يرافقه كثيرون من تلاميذه وجمع عظيم.
12 ولما اقترب من باب المدينة، إذا ميت محمول، وهو ابن وحيد لأمه التي كانت أرملة، وكان معها جمع كبير من المدينة.
13 فلما رآها الرب، تحنن عليها، وقال لها: «لا تبكي!»
14 ثم تقدم ولمس النعش، فتوقف حاملوه. وقال: «أيها الشاب، لك أقول: قم!»
15 فجلس الميت وبدأ يتكلم، فسلمه إلى أمه.
16 فاستولى الخوف على الجميع، ومجدوا الله، قائلين: «قد قام فينا نبي عظيم وتفقد الله شعبه !»
17 وذاع هذا الخبر عنه في منطقة اليهودية كلها وفي جميع النواحي المجاورة.
18 ونقل تلاميذ يوحنا إليه خبر هذه كلها. فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه،
19 وأرسلهما إلى الرب، يسأله: «أأنت هو الآتي، أم ننتظر آخر؟»
20 فلما جاء الرجلان إلى الرب، قالا: «أرسلنا إليك يوحنا المعمدان، يسأل: أأنت هو الآتي، أم ننتظر آخر ؟»
21 وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وعلل وأرواح شريرة، ووهب البصر لعميان كثيرين.
22 فرد يسوع على المرسلين قائلا: «اذهبا وأخبرا يوحنا بما قد رأيتما وسمعتما: أن العميان يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقامون، والمساكين يبشرون.
23 وطوبى لكل من لا يشك في! »
24 وما إن انصرف مرسلا يوحنا حتى أخذ يسوع يتحدث إلى الجموع عن يوحنا «ماذا خرجتم إلى البرية لتروا؟ أقصبة تهزها الرياح؟
25 بل ماذا خرجتم لتروا؟ أإنسانا يلبس ثيابا ناعمة؟ ها إن لابسي الثياب الفاخرة والمترفهين هم في قصور الملوك.
26 إذن، ماذا خرجتم لتروا؟ أنبيا؟ نعم، أقول لكم، وأعظم من نبي!
27 فهذا هو الذي كتب عنه: إني مرسل قدامك رسولي الذي يمهد لك طريقك.
28 فإني أقول لكم: إنه ليس بين من ولدتهم النساء أعظم من يوحنا، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه!»
29 ولما سمع ذلك جميع الشعب، حتى جباة الضرائب، اعترفوا ببر الله إذ كانوا قد تعمدوا بمعمودية يوحنا؛
30 وأما الفريسيون وعلماء الشريعة؛ فقد رفضوا قصد الله من نحوهم إذ لم يكونوا قد تعمدوا على يده.
31 «فبمن أشبه إذن أهل هذا الجيل؟ ومن يشبهون؟
32 إنهم يشبهون أولادا جالسين في الساحة العامة، ينادي بعضهم بعضا قائلين: زمرنا لكم، فلم ترقصوا؛ ثم ندبنا لكم، فلم تبكوا!
33 فقد جاء يوحنا المعمدان لا يأكل ولا يشرب خمرا، فقلتم: إن شيطانا يسكنه.
34 ثم جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فقلتم: هذا رجل شره سكير، صديق لجباة الضرائب والخاطئين؛
35 ولكن الحكمة قد بررها جميع أبنائها. ».
36 ولكن واحدا من الفريسيين طلب إليه أن يأكل عنده. فدخل بيت الفريسي واتكأ.
37 وكان في المدينة امرأة خاطئة، فما إن علمت أنه متكيء في بيت الفريسي، حتى جاءت تحمل قارورة عطر،
38 ووقفت من ورائه عند قدميه باكية، وأخذت تبل قدميه بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها، وتقبل قدميه بحرارة وتدهنهما بالعطر.
39 فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، حدث نفسه قائلا: «لو كان هذا نبيا، لعلم من هي هذه المرأة التي تلمسه، وما حالها؛ فإنها خاطئة!»
40 فرد عليه يسوع قائلا: «ياسمعان، عندي شيء أقوله لك». أجاب: «قل يامعلم!»
41 فقال: «كان لأحد المتعاملين بالدين، دين على اثنين: على أحدهما خمس مئة دينار، وعلى الآخر خمسون.
42 ولكن إذ لم يكن عندهما ما يدفعانه وفاء للدين، سامحهما كليهما. فأيهما يكون أكثر حبا له؟»
43 فأجاب سمعان: «أظن الذي سامحه بالدين الأكبر». فقال له: «حكمت حكما صحيحا!»
44 ثم التفت إلى المرأة، وقال لسمعان: «أترى هذه المرأة؟ إني دخلت بيتك ولم تقدم لي ماء لغسل قدمي! أما هي، فقد غسلت قدمي بالدموع ومسحتهما بشعرها.
45 أنت لم تقبلني قبلة واحدة! أما هي، فمنذ دخولي لم تتوقف عن تقبيل قدمي.
46 أنت لم تدهن رأسي بزيت! أما هي، فقد دهنت قدمي بالعطر.
47 لهذا السبب أقول لك: إن خطاياها الكثيرة قد غفرت، لهذا أحبت كثيرا. ولكن الذي يغفر له القليل، يحب قليلا!»
48 ثم قال لها: «مغفورة لك خطاياك!»
49 فأخذ المتكئون يسائلون أنفسهم: «من هو هذا الذي يغفر الخطايا أيضا؟»
50 وقال للمرأة: «إيمانك قد خلصك. اذهبي بسلام!»
1 بعد ذلك أخذ يجول في كل مدينة وقرية واعظا ومبشرا بملكوت الله وكان يرافقه تلاميذه الاثنا عشر،
2 وبعض النساء اللواتي كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، وهن: مريم المعروفة بالمجدلية التي طرد منها سبعة شياطين،
3 ويونا زوجة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وغيرهن كثيرات ممن كن يساعدنه بأموالهن.
4 فلما اجتمع حوله جمع عظيم من الذين خرجوا إليه من كل بلدة، خاطبهم بمثل:
5 «خرج الزارع ليزرع بذاره. وبينما هو يزرع، وقع بعض البذار على الممرات، فداسته الأقدام، والتهمته طيور السماء.
6 ووقع بعضه على الصخر، فلما طلع يبس لأنه كان بلا رطوبة.
7 ووقع بعضه في وسط الأشواك، فطلع الشوك معه وخنقه.
8 وبعض البذار وقع في الأرض الصالحة. ولما نبت، أنتج ثمرا مئة ضعف». قال هذا ونادى «من له أذنان للسمع، فليسمع!»
9 وسأله تلاميذه: «ما هو مغزى هذا المثل؟»
10 فقال: «لكم قد أعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت الله. أما الآخرون، فأكلمهم بأمثال، حتى إنهم: ينظرون ولا يبصرون، ويسمعون ولا يفهمون.
11 وهذا مغزى المثل: البذار هو كلمة الله.
12 وما وقع على الممرات هم الذين يسمعون (الكلمة)، ثم يأتي إبليس ويخطف الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا.
13 وما وقع على الصخر هم الذين يقبلون الكلمة بفر ح لدى سماعها، وهؤلاء لا أصل لهم، فيؤمنون إلى حين، وفي وقت التجربة يتراجعون.
14 وما وقع حيث الأشواك هم الذين يسمعون ثم يمضون فتخنقهم هموم الحياة وغناها ولذاتها، فلا ينتجون ثمرا ناضجا.
15 وأما الذي وقع في الأرض الجيدة، فهم الذين يسمعون الكلمة ويحفظونها في قلب جيد مستقيم، وينتجون ثمرا بالصبر.
16 ولا أحد يشعل مصباحا ثم يغطيه بوعاء، أو يضعه تحت سرير، بل يرفعه على منارة ليرى الداخلون النور.
17 فما من محجوب لن يكشف، ولا سر لن يعلم ويعلن.
18 فتنبهوا إذن كيف تسمعون. فإن من عنده، يعطى المزيد؛ ومن لم يكن عنده، فحتى الذي يظنه له، ينتزع منه!»
19 وجاءت إليه أمه وإخوته، ولم يتمكنوا من الوصول إليه بسبب الزحام.
20 فقيل له: «إن أمك وإخوتك واقفون خارجا، يريدون أن يروك!»
21 ولكنه أجابهم قائلا: «أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها».
22 وذات يوم ركب قاربا هو وتلاميذه، وقال لهم: «لنعبر إلى الضفة المقابلة من البحيرة!» فأقلعوا.
23 وفيما هم مبحرون، نام. وهبت على البحيرة عاصفة ريح مفاجئة، فأخذ الماء يملأ القارب، وأحاط بهم الخطر.
24 فتقدموا إليه وأيقظوه قائلين: «ياسيد، ياسيد، إننا نهلك!» فنهض وزجر الريح والماء الهائج، فسكنا وساد الهدوء.
25 ثم قال لهم: «أين إيمانكم؟» وإذ خافوا، ذهلوا، وقال أحدهم للآخر: «من هو هذا إذن حتى إنه يأمر الرياح والماء فتطيعه؟ »
26 ووصلوا إلى بلدة الجراسيين، وهي تقع مقابل الجليل.
27 فلما نزل إلى البر، لاقاه رجل من المدينة تسكنه الشياطين منذ مدة طويلة، وكان لا يلبس ثوبا ولا يسكن بيتا بل يقيم بين القبور.
28 فما إن رأى يسوع، حتى صرخ وانطرح أمامه، وقال بصوت عال: «ما شأنك بي يايسوع ابن الله العلي؟ أتوسل إليك ألا تعذبني؟»
29 فإن يسوع كان قد أمر الروح النجس أن يخرج من الرجل. فكثيرا ما كان يتمكن منه، وكلما ربط بالسلاسل والقيود ليضبط، حطم القيود وساقه الشيطان إلى القفار.
30 فسأله يسوع: «ما اسمك؟» فقال: «لجيون!» لأن جيشا كبيرا من الشياطين كانوا قد دخلوا فيه،
31 وقد توسلوا إليه ألا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية.
32 وكان هنالك قطيع كبير من الخنازير يرعى في الجبل، فالتمسوا منه أن يأذن لهم بالدخول في الخنازير، فأذن لهم.
33 فخرجت الشياطين من الإنسان، ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على حافة الجبل إلى البحيرة ومات غرقا.
34 فلما رأى الرعاة ما حدث، هربوا إلى المدينة والمزارع ينشرون الخبر.
35 فخرج الناس ليروا ما حدث، وجاءوا إلى يسوع، فوجدوا الرجل الذي خرجت منه الشياطين جالسا عند قدمي يسوع وهو لابس وسليم العقل. فخافوا.
36 وأخبرهم أيضا الذين شاهدوا ما حدث، كيف شفي المسكون.
37 فطلب جميع أهالي بلدة الجراسيين من يسوع أن يرحل عنهم، لأن خوفا عظيما استولى عليهم. فركب القارب، ورجع.
38 وأما الرجل الذي خرجت منه الشياطين، فتوسل إليه أن يرافقه. ولكنه صرفه قائلا:
39 «ارجع إلى بيتك، وحدث بما عمله الله بك!» فمضى سائرا في المدينة كلها، وهو ينادي بما عمله به يسوع.
40 ولما عاد يسوع، رحب به الجمع، لأنهم كانوا كلهم يترقبون عودته.
41 وإذا رجل اسمه يايرس، وهو رئيس للمجمع، قد جاء وانطرح عند قدمي يسوع وتوسل إليه أن يرافقه إلى بيته،
42 لأن له ابنة وحيدة، عمرها حوالي اثنتي عشرة سنة، وقد أشرفت على الموت. وفيما هو ذاهب، كانت الجموع تزحمه.
43 وكانت هناك امرأة مصابة بنزيف دموي منذ اثنتي عشرة سنة ومع أنها كانت قد أنفقت كل ما تملكه أجرا للأطباء، فلم تتمكن من الشفاء على يد أحد.
44 فتقدمت إلى يسوع من خلفه، ولمست طرف ردائه؛ وفي الحال توقف نزيف دمها.
45 وقال يسوع: «من لمسني؟» فلما أنكر الجميع ذلك، قال بطرس ورفاقه: «ياسيد، الجموع يضيقون عليك ويزحمونك، وتسأل: من لمسني؟»
46 فقال يسوع: «إن شخصا ما قد لمسني، لأني شعرت بأن قدرة قد خرجت مني».
47 فلما رأت المرأة أن أمرها لم يكتم، تقدمت مرتجفة، وارتمت أمامه معلنة أمام جميع الناس لأي سبب لمسته، وكيف نالت الشفاء في الحال.
48 فقال لها: «ياابنة، إيمانك قد شفاك؛ اذهبي بسلام! »
49 وبينما كان يتكلم، جاء مبعوث من بيت رئيس المجمع، يقول له: «ماتت ابنتك. لا تكلف المعلم بعد!»
50 وإذ سمع يسوع ذلك، كلمه قائلا: «لا تخف، آمن فقط، فتنجو ابنتك!»
51 ولما وصل إلى البيت، لم يدع أحدا يدخل معه إلا بطرس ويوحنا ويعقوب وأبا الفتاة وأمها.
52 وكان الجميع يبكونها ويندبونها. فقال: «لا تبكوا. إنها لم تمت، بل هي نائمة!»
53 فضحكوا منه، لعلمهم أنها ماتت.
54 ولكنه، بعدما أخرجهم جميعا، أمسك بيدها، ونادى قائلا: «ياصبية، قومي!»
55 فعادت إليها روحها، ونهضت في الحال. وأمر أن يقدم لها طعام.
56 فدهش والداها؛ ولكنه أوصاهما ألا يخبرا أحدا بما جرى.
1 ثم جمع يسوع الاثني عشر، ومنحهم قدر ة وسلطة على جميع الشياطين وعلى الأمراض لشفائها،
2 وأرسلهم ليبشروا بملكوت الله ويشفوا.
3 وقال لهم: «لا تحملوا للطريق شيئا: لا عصا، ولا زادا، ولا خبزا، ولا مالا، ولا يحمل الواحد ثوبين.
4 وأي بيت دخلتم فهناك أقيموا ومن هناك ارحلوا.
5 وإن كان أحد لا يقبلكم في مدينة ما، فاخرجوا من هناك، وانفضوا الغبار عن أقدامكم، شهادة عليهم».
6 فانطلقوا يجتازون في القرى وهم يبشرون ويشفون في كل مكان.
7 وسمع هيرودس حاكم الربع بكل ما كان يجري، فوقع في الحيرة، لأن بعضا كانوا يقولون: «إن يوحنا قام من بين الأموات!»
8 وبعضا يقولون: «إن إيليا ظهر!» وآخرين: «إن واحدا من الأنبياء القدامى قام!»
9 فقال هيرودس: «يوحنا، أنا قطعت رأسه، ولكن من هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذه الأمور؟» وكان يرغب في أن يراه.
10 وبعدما رجع الرسل، أخبروه بجميع ما فعلوا، فأخذهم وذهب بهم على انفراد إلى مدينة اسمها بيت صيدا.
11 ولكن الجموع علموا بذلك فلحقوا به، فاستقبلهم وحدثهم عن ملكوت الله، وشفى منهم من كانوا محتاجين إلى الشفاء.
12 ولما كاد النهار ينقضي، تقدم إليه الاثنا عشر وقالوا له: «اصرف الجمع ليذهبوا إلى القرى المجاورة، وإلى المزارع، فيبيتوا هناك ويجدوا طعاما، لأننا هنا في مكان مقفر!»
13 فقال لهم: «أعطوهم أنتم ليأكلوا!» أجابوا: «ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين، إلا إذا ذهبنا واشترينا طعاما لهذا الشعب كله».
14 فقد كانوا نحو خمسة آلاف رجل. ثم قال لتلاميذه: «أجلسوهم في جماعات تتألف كل منها من خمسين».
15 ففعلوا، وأجلسوا الجميع.
16 فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع عينيه نحو السماء، ثم باركها وكسرها وأعطى التلاميذ ليقدموا إلى الجمع.
17 فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفع من الكسر الفاضلة عنهم اثنتا عشرة قفة.
18 وفيما كان يصلي على انفراد والتلاميذ معه، سألهم: «من يقول الجموع إني أنا؟»
19 فأجابوه: «يقول بعضهم إنك يوحنا المعمدان، وآخرون إنك إيليا، وآخرون إنك واحد من الأنبياء القدامى وقد قام!»
20 فسألهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟» فأجابه بطرس: «أنت مسيح الله!»
21 ولكنه حذرهم، موصيا ألا يخبروا أحدا بذلك.
22 وقال: «لابد أن يتألم ابن الإنسان كثيرا ويرفضه الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقام».
23 ثم قال للجميع: «إن أراد أحد أن يسير ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني.
24 فأي من أراد أن يخلص نفسه، يخسرها؛ ولكن من يخسر نفسه من أجلي، فهو يخلصها.
25 فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه أو أهلكها؟
26 فإن من يستحي بي وبكلامي، فبه يستحي ابن الإنسان لدى عودته في مجده ومجد الآب والملائكة المقدسين.
27 ولكني أقول لكم بحق إن بين الواقفين هنا بعضا لن يذوقوا الموت حتى يكونوا قد رأوا ملكوت الله ... »
28 وحدث بعد هذا الكلام بثمانية أيام تقريبا أن أخذ يسوع بطرس ويوحنا ويعقوب، وصعد إلى جبل ليصلي.
29 وبينما هو يصلي، تجلت هيئة وجهه وصارت ثيابه بيضاء لماعة.
30 وإذا رجلان يتحدثان معه، وهما موسى وإيليا،
31 وقد ظهرا بمجد وتكلما عن رحيله الذي كان على وشك إتمامه في أورشليم.
32 ومع أن بطرس ورفيقيه قد غالبهم النوم، فإنهم حين استيقظوا تماما، شاهدوا مجده والرجلين الواقفين معه.
33 وفيما كانا يفارقانه، قال بطرس ليسوع: «يامعلم، ما أحسن أن نبقى هنا! فلننصب ثلاث خيام: واحدة لك، وواحدة لموسى، وواحدة لإيليا...» وهو لا يدري ما يقول.
34 ولكنه فيما كان يقول ذلك، جاءت سحابة فخيمت عليهم، فخافوا عندما طوقتهم السحابة،
35 وانطلق صوت من السحابة يقول: «هذا هو ابني الذي اخترته. له اسمعوا!»
36 وفيما انطلق الصوت، وجد يسوع وحده. وقد كتموا الخبر فلم يخبروا أحدا في تلك الأيام بأي شيء مما رأوه.
37 وفي اليوم التالي، لما نزلوا من الجبل، لاقاه جمع عظيم.
38 وإذا في الجمع رجل نادى قائلا: «يامعلم، أتوسل إليك أن تنظر إلى ابني، فإنه ولدي الوحيد.
39 وها إن روحا يتملكه، فيصرخ فجأة، ويخبطه الروح فيزبد، وبالجهد يفارقه بعد أن يرضضه.
40 وقد التمست من تلاميذك أن يطردوه، فلم يقدروا».
41 فأجاب يسوع قائلا: «أيها الجيل غير المؤمن والمنحرف! إلى متى أبقى معكم وأحتملكم؟» (وقال للرجل): «أحضر ابنك إلى هنا!»
42 وفيما الولد آت، صرعه الشيطان وخبطه بعنف. فزجر يسوع الروح النجس، وشفى الولد وسلمه إلى أبيه.
43 فذهل الجميع من عظمة الله.
44 «لتدخل هذه الكلمات آذانكم: إن ابن الإنسان على وشك أن يسلم إلى أيدي الناس!»
45 إلا أنهم لم يفهموا هذا القول، وقد أغلق عليهم فلم يدركوه، وخافوا أن يسألوه عنه.
46 وحدث بينهم جدال في من هو الأعظم فيهم.
47 فإذ علم يسوع نيات قلوبهم، أخذ ولدا صغيرا وأوقفه بجانبه،
48 وقال لهم: «أي من قبل باسمي هذا الولد الصغير، فقد قبلني؛ ومن قبلني، يقبل الذي أرسلني. فإن من كان الأصغر بينكم جميعا، فهو العظيم».
49 وتكلم يوحنا فقال: «ياسيد، رأينا واحدا يطرد الشياطين باسمك، فمنعناه لأنه لا يتبعك معنا».
50 فقال له يسوع: «لا تمنعوه: لأن من ليس ضدكم، فهو معكم! »
51 ولما تمت الأيام لارتفاعه، صمم بعزم على المضي إلى أورشليم.
52 فأرسل قدامه بعض الرسل. فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين، ليعدوا له (منزلا فيها).
53 ولكنهم رفضوا استقباله لأنه كان متجها صوب أورشليم.
54 فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا، قالا: «يارب، أتريد أن نأمر بأن تنزل النار من السماء وتلتهمهم؟»
55 فالتفت إليهما ووبخهما قائلا: «لا تعلمان من أي روح أنتما،
56 لأن ابن الإنسان أتى لا ليهلك نفوس الناس، بل ليخلصها.» ثم ذهبوا إلى قرية أخرى.
57 وبينما كانوا سائرين في الطريق، قال له أحد الناس: «ياسيد، سأتبعك أينما تذهب!»
58 فقال له يسوع: «للثعالب أوجار، ولطيور السماء أوكار؛ وأما ابن الإنسان فليس له مكان يسند إليه رأسه».
59 وقال لغيره: «اتبعني!» ولكن هذا قال: «ياسيد، اسمح لي أن أذهب أولا وأدفن أبي!»
60 فقال له يسوع: «دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب وبشر بملكوت الله».
61 وقال له آخر: «ياسيد، سأتبعك، ولكن اسمح لي أولا أن أودع أهل بيتي!»
62 فقال له يسوع: «ما من أحد يضع يده على المحراث ويلتفت إلى الوراء، يصلح لملكوت الله».
1 وبعد ذلك عين الرب أيضا اثنين وسبعين آخرين، وأرسلهم اثنين اثنين، ليسبقوه إلى كل مدينة ومكان كان على وشك الذهاب إليه.
2 وقال لهم: «إن الحصاد كثير، ولكن العمال قليلون، فتضرعوا إلى رب الحصاد أن يبعث عمالا إلى حصاده.
3 فاذهبوا! ها إني أرسلكم كحملان بين ذئاب.
4 لا تحملوا صرة مال ولا كيس زاد ولا حذاء؛ ولا تسلموا في الطريق على أحد.
5 وأي بيت دخلتم، فقولوا أولا: سلام لهذا البيت!
6 فإن كان في البيت ابن سلام، يحل سلامكم عليه. وإلا، فسلامكم يعود لكم.
7 وانزلوا في ذلك البيت تأكلون وتشربون مما عندهم: لأن العامل يستحق أجرته. لا تنتقلوا من بيت إلى بيت.
8 وأية مدينة دخلتم وقبلكم أهلها، فكلوا مما يقدم لكم،
9 واشفوا المرضى الذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله!
10 وأية مدينة دخلتم ولم يقبلكم أهلها، فاخرجوا إلى شوارعها، وقولوا:
11 حتى غبار مدينتكم العالق بأقدامنا ننفضه عليكم، ولكن اعلموا هذا: أن ملكوت الله قد اقترب!
12 أقول لكم: إن سدوم ستكون حالتها في ذلك اليوم أخف وطأة من حالة تلك المدينة…
13 الويل لك ياكورزين! الويل لك يابيت صيدا! فلو أجري في صور وصيدا ما أجري فيكما من المعجزات، لتاب أهلهما منذ القديم متشحين بالمسوح قاعدين في الرماد.
14 ولكن صور وصيدا ستكون حالتهما في الدينونة أخف وطأة من حالتكما.
15 وأنت ياكفرناحوم، هل ارتفعت حتى السماء؟ إنك إلى قعر الهاوية ستهبطين!
16 من يسمع لكم يسمع لي، ومن يرفضكم يرفضني؛ ومن يرفضني يرفض الذي أرسلني! »
17 وبعدئذ رجع الاثنان والسبعون فرحين، وقالوا: «يارب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك!»
18 فقال لهم: «قد رأيت الشيطان وهو يهوي من السماء مثل البرق.
19 وها أنا قد أعطيتكم سلطة لتدوسوا الحيات والعقارب وقدرة العدو كلها، ولن يؤذيكم شيء أبدا.
20 إنما لا تفرحوا بهذا: بأن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بأن أسماءكم قد كتبت في السماوات».
21 في تلك الساعة ابتهج يسوع بالروح وقال: «أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض، لأنك حجبت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، وكشفتها للأطفال. نعم، أيها الآب، لأنه هكذا حسن في نظرك!
22 كل شيء قد سلم إلي من قبل أبي، ولا أحد يعرف من هو الابن إلا الآب، ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلنه له!»
23 ثم التفت إلى التلاميذ وقال لهم على حدة: «طوبى للعيون التي ترى ما أنتم ترون.
24 فإني أقول لكم إن كثيرين من الأنبياء والملوك تمنوا أن يروا ما تبصرون ولكنهم لم يروا، وأن يسمعوا ما تسمعون ولكنهم لم يسمعوا».
25 وتصدى له أحد علماء الشريعة ليجربه، فقال: «يامعلم، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟»
26 فقال له: «ماذا كتب في الشريعة؟ وكيف تقرأها؟»
27 فأجاب: «أحب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك وكل فكرك، وأحب قريبك كنفسك».
28 فقال له: «جوابك صحيح. فإن عملت بهذا، تحيا!»
29 لكنه إذ كان راغبا في تبرير نفسه، سأل يسوع: «ومن هو قريبي؟»
30 فرد عليه يسوع قائلا:
31 وحدث أن كاهنا كان نازلا في تلك الطريق، فرآه ولكنه جاوزه إلى الجانب الآخر.
32 وكذلك مر أيضا واحد من اللاويين، فلما وصل إلى ذلك المكان، نظر إليه، ولكنه جاوزه إلى الجانب الآخر.
33 إلا أن سامريا مسافرا جاء إليه، ولما رآه، أخذته الشفقة عليه،
34 فتقدم إليه وربط جراحه بعدما صب عليها زيتا وخمرا. ثم أركبه على دابته وأوصله إلى الخان واعتنى به.
35 وعند مغادرته الخان في اليوم التالي، أخرج دينارين ودفعهما إلى صاحب الخان، وقال له: اعتن به! ومهما تنفق أكثر، فإني أفيك ذلك عند رجوعي.
36 فأي هؤلاء الثلاثة يبدو لك قريبا للذي وقع بأيدي اللصوص؟»
37 فأجاب: «إنه الذي عامله بالرحمة!» فقال له يسوع: «اذهب، واعمل أنت هكذا! »
38 وبينما هم في الطريق، دخل إحدى القر ى، فاستقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها.
39 وكان لها أخت اسمها مريم، جلست عند قدمي يسوع تسمع كلمته.
40 أما مرثا فكانت منهمكة بشؤون الخدمة الكثيرة. فأقبلت وقالت: «يارب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تساعدني!»
41 ولكن يسوع رد عليها قائلا: «مرثا، مرثا! أنت مهتمة وقلقة لأمور كثيرة.
42 ولكن الحاجة هي إلى واحد، ومريم قد اختارت النصيب الصالح الذي لن يؤخذ منها! »
1 وكان يصلي في أحد الأماكن، فلما انتهى، قال له أحد تلاميذه: «يارب، علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تلاميذه».
2 فقال لهم: «عندما تصلون، قولوا: أبانا الذي في السماوات! ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض.
3 خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم؛
4 واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضا نغفر لكل من يذنب إلينا؛ ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير! »
5 ثم قال لهم: «من منكم يكون له صديق، فيذهب إليه في منتصف الليل ويقول له: ياصديقي، أقرضني ثلاثة أرغفة،
6 فقد جاءني صديق من سفر، وليس عندي ما أقدم له!
7 لكن صديقه يجيبه من الداخل: لا تزعجني! فقد أقفلت الباب، وها أنا وأولادي في الفراش. لا أقدر أن أقوم وأعطيك!
8 أقول لكم: إن كان لا يقوم ويعطيه لأنه صديقه، فلابد أن يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج إليه، لأنه ألح في الطلب.
9 فإني أقول لكم: اطلبوا، تعطوا؛ اسعوا، تجدوا؛ اقرعوا، يفتح لكم:
10 فإن كل من يطلب ينال، ومن يسعى يجد، ومن يقرع يفتح له.
11 فأي أب منكم يطلب منه ابنه خبزا فيعطيه حجرا؟ أو يطلب سمكة فيعطيه بدل السمكة حية؟
12 أو يطلب بيضة، فيعطيه عقربا؟
13 فإن كنتم، أنتم الأشرار، تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالأحرى الآب، الذي من السماء يهب الروح القدس لمن يسألونه؟ »
14 وكان يطرد شيطانا (من رجل) كان ذلك الشيطان قد أخرسه. فلما طرد الشيطان، نطق الأخرس. فتعجبت الجموع.
15 ولكن بعضا منهم قالوا: «إنما يطرد الشياطين ببعلزبول رئيس الشياطين».
16 وطلب منه آخرون، ليجربوه، آية من السماء.
17 ولكنه علم أفكارهم وقال لهم: «كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل بيت (ينقسم) على بيت يسقط.
18 فإن كان الشيطان كذلك قد انقسم على ذاته، فكيف تصمد مملكته؟ فقد قلتم إني أطرد الشياطين ببعلزبول.
19 ولكن، إن كنت أنا أطرد الشياطين ببعلزبول، فأبناؤكم بمن يطردونهم؟ لذلك هم يحكمون عليكم.
20 أما إذا كنت أطرد الشياطين بإصبع الله، فقد أقبل عليكم ملكوت الله.
21 عندما يحرس القوي بيته وهو بكامل سلاحه، تكون أمتعته في مأمن.
22 ولكن عندما يغزوه من هو أقوى منه فيغلبه، فإنه يجرده من كامل سلاحه الذي اعتمد عليه، ثم يوزع غنائمه.
23 من ليس معي، فهو ضدي؛ ومن لا يجمع معي، فهو يفرق.
24 بعد أن يخرج الروح النجس من الإنسان، يهيم في الأماكن القاحلة طلبا للراحة، وإذ لا يجد، يقول: سأرجع إلى بيتي الذي غادرته!
25 وعندما يأتي، يجده مكنوسا مزينا.
26 فيذهب ويصطحب سبعة أرواح أخر أردأ منه، فتدخل ذلك الإنسان وتسكنه، فتصير الحالة الأخيرة لذلك الإنسان أردأ من الأولى! »
27 وبينما هو يتكلم بهذا، رفعت امرأة من بين الجمع صوتها قائلة له: «طوبى للبطن الذي حملك، والثديين اللذين رضعتهما!»
28 إلا أنه قال: «بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها».
29 وإذ كانت الجموع تزدحم عليه، أخذ يقول: «هذا الجيل جيل شرير، يطلب آية ولن يعطى آية إلا آية يونان.
30 فإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، فهكذا أيضا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل.
31 إن ملكة الجنوب ستقوم في الدينونة مع هذا الجيل وتدينه لأنها جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وها هنا أعظم من سليمان!
32 وأهل نينوى سيقفون في الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه: لأنهم تابوا لدى وعظ يونان لهم. وها هنا أعظم من يونان.
33 ولكن، لا أحد يشعل مصباحا ويضعه في مكان مخفي أو تحت المكيال، بل يرفعه على المنارة ليرى الداخلون النور.
34 عينك هي مصباح الجسد: فعندما تكون عينك سليمة، يكون جسدك كله منورا؛ أما عندما تكون عينك شريرة، فيكون جسدك أيضا مظلما.
35 فتنبه إذن لئلا يكون النور الذي فيك ظلاما.
36 إذن، إن كان جسدك كله منورا وليس فيه جانب مظلم، فإنه يكون منورا بكامله، كأنما أنار لك المصباح بإشعاعه! »
37 وبينما هو يتكلم، طلب إليه أحد الفريسيين أن يتغدى عنده. فدخل (بيته) واتكأ.
38 ولكن الفريسي تعجب لما رأى أنه لم يغتسل قبل الغداء.
39 فقال له الرب: «أنتم الفريسيين تنظفون الكأس والصحفة من الخارج، ولكنكم من الداخل مملوؤون نهبا وخبثا.
40 أيها الأغبياء، أليس الذي صنع الخارج قد صنع الداخل أيضا؟
41 أحرى بكم أن تتصدقوا بما عندكم، فإذا كل شيء يكون طاهرا لكم.
42 ولكن الويل لكم أيها الفريسيون فإنكم تدفعون عشر النعنع والسذاب والبقول الأخرى، وتتجاوزون عن العدل ومحبة الله: كان يجب أن تعملوا هذا ولا تهملوا ذاك!
43 الويل لكم أيها الفريسيون، فإنكم تحبون تصدر المقاعد الأولى في المجامع وتلقي التحيات في الساحات العامة!
44 الويل لكم، فإنكم تشبهون القبور المخفية، يمشي الناس عليها وهم لا يعلمون!»
45 وتكلم أحد علماء الشريعة، قائلا له: «يامعلم، إنك بقولك هذا تهيننا نحن أيضا».
46 فقال: «والويل أيضا لكم ياعلماء الشريعة، فإنكم تحملون الناس أحمالا مرهقة، وأنتم لا تمسونها بإصبع من أصابعكم!
47 الويل لكم، فإنكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم.
48 فأنتم إذن تشهدون موافقين على أعمال آبائكم: فهم قتلوا الأنبياء، وأنتم تبنون قبورهم.
49 لهذا السبب أيضا قالت حكمة الله: سأرسل إليهم أنبياء ورسلا، فيقتلون منهم ويضطهدون،
50 حتى إن دماء جميع الأنبياء المسفوكة منذ تأسيس العالم، يطالب بها هذا الجيل،
51 من دم هابيل إلى دم زكريا الذي قتل بين المذبح والقدس! أقول لكم: نعم، إن تلك الدماء يطالب بها هذا الجيل.
52 الويل لكم ياعلماء الشريعة، فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة، فلا أنتم دخلتم ولا تركتم الداخلين يدخلون! »
53 وفيما هو خارج من هناك، بدأ الكتبة والفريسيون يضيقون عليه كثيرا، وأخذوا يستدرجونه إلى الكلام في أمور كثيرة،
54 وهم يراقبونه سعيا إلى اصطياده بكلام يقوله.
1 وفي تلك الأثناء، إذ احتشد عشرات الألوف من الشعب حتى داس بعضهم بعضا، أخذ يقول لتلاميذه أولا: «احذروا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الريا ء!
2 فما من مستور لن يكشف، ولا من سر لن يعرف.
3 لذلك كل ما قلتموه في الظلام سوف يسمع في النور، وما تحدثتم به همسا في الغرف الداخلية سوف يذاع على سطوح البيوت.
4 على أني أقول لكم ياأحبائي: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ثم لا يستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلك.
5 ولكني أريكم ممن تخافون: خافوا من القادر أن يلقي في جهنم بعد القتل. نعم، أقول لكم، من هذا خافوا!
6 أما تباع خمسة عصافير بفلسين؟ ومع ذلك لا ينسى الله واحدا منها.
7 بل إن شعر رؤوسكم كله معدود. فلا تخافوا إذن، أنتم أفضل من عصافير كثيرة!
8 «ولكن أقول لكم: كل من يعترف بي أمام الناس، يعترف به ابن الإنسان أيضا أمام ملائكة الله.
9 ومن أنكرني أمام الناس، ينكر أمام ملائكة الله.
10 ومن قال كلمة بحق ابن الإنسان، يغفر له. وأما من جدف على الروح القدس، فلن يغفر له!
11 وعندما يؤتى بكم للمثول أمام المجامع والحكام والسلطات، فلا تهتموا كيف أو بماذا تردون، ولا بما تقولون!
12 فإن الروح القدس سيلقنكم في تلك الساعة عينها ما يجب أن تقولوا».
13 وقال له واحد من بين الجمع: «يامعلم، قل لأخي أن يقاسمني الإرث!»
14 ولكنه قال له: «ياإنسان، من أقامني عليكما قاضيا أو مقسما؟»
15 وقال للجمع: «احذروا وتحفظوا من الطمع. فمتى كان الإنسان في سعة، لا تكون حياته في أمواله».
16 وضرب لهم مثلا، قال «إنسان غني غلت له أرضه محاصيل وافرة.
17 ففكر في نفسه قائلا: ماذا أعمل وليس عندي مكان أخزن فيه محاصيلي؟
18 وقال: أعمل هذا: أهدم مخازني وأبني أعظم منها، وهناك أخزن جميع غلالي وخيراتي.
19 وأقول لنفسي: يانفس، عندك خيرات كثيرة مخزونة لسنين عديدة، فاستريحي وكلي واشربي واطر بي!
20 ولكن الله قال له: ياغبي، هذه الليلة تطلب نفسك منك، فلمن يبقى ما أعددته؟
21 هذه هي حالة من يخزن الكنوز لنفسه ولا يكون غنيا عند الله!»
22 ثم قال لتلاميذه: «لهذا السبب أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا لأجسادكم بما تكتسون.
23 إن الحياة أكثر من مجرد طعام، والجسد أكثر من مجرد كساء.
24 تأملوا الغربان! فهي لا تزرع ولا تحصد، وليس عندها مخزن ولا مستودع، بل يعولها الله. فكم أنتم أفضل كثيرا من الطيور.
25 ولكن، أي منكم، إذا اهتم يقدر أن يطيل عمره ولو ساعة واحدة؟
26 فما دمتم غير قادرين ولو على أصغر الأمور، فلماذا تهتمون بالأمور الأخرى؟
27 تأملوا الزنابق كيف تنمو! فهي لا تتعب ولا تغزل، ولكني أقول لكم: حتى سليمان في قمة مجده لم يكتس ما يعادل واحدة منها بهاء؟
28 فإن كان الله يكسو العشب ثوبا كهذا، مع أنه يكون اليوم في الحقل وغدا يطرح في التنور، فكم أنتم أولى من العشب (بأن يكسوكم الله ) ياقليلي الإيمان؟
29 فعليكم أنتم ألا تسعوا إلى ما تأكلون وتشربون، ولا تكونوا قلقين.
30 فهذه الحاجات كلها تسعى إليها أمم العالم، وأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إليها.
31 إنما اسعوا إلى ملكوته، فتزاد لكم هذه كلها.
32 لا تخافوا، أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت.
33 بيعوا ما تملكون وأعطوا صدقة، واجعلوا لكم أكياسا لا تبلى، كنزا في السماوات لا ينفد، حيث لا يقترب لص ولا يفسد سوس.
34 لأنه حيث يكون كنزكم، يكون قلبكم أيضا.
35 لتكن أوساطكم مشدودة بالأحزمة ومصابيحكم مضاءة،
36 وكونوا مثل أناس ينتظرون رجوع سيدهم من وليمة العرس، حتى إذا وصل وقرع الباب يفتحون له حالا.
37 طوبى لأولئك العبيد الذين يجدهم سيدهم لدى عودته ساهرين. الحق أقول لكم: إنه يشد وسطه بالحزام ويجعلهم يتكئون ويقوم يخدمهم.
38 فطوبى لهم إذا رجع في الربع الثاني أو الثالث من الليل ووجدهم على تلك الحال.
39 ولكن اعلموا هذا: أنه لو كان رب البيت يعرف في أية ساعة يدهمه اللص، لكان سهر وما ترك بيته ينقب.
40 فكونوا أنتم مستعدين، لأن ابن الإنسان سيعود في ساعة لا تتوقعونها».
41 وسأله بطرس: «يارب، ألنا تضرب هذا المثل أم للجميع على السواء؟»
42 فقال الرب: «من هو إذن الوكيل الأمين العاقل الذي يقيمه سيده على أهل بيته ليقدم لهم حصتهم من الطعام في حينها؟
43 طوبى لذلك العبد الذي يجده سيده ، لدى رجوعه ، يقوم بهذا العمل.
44 الحق أقول لكم: إنه يقيمه على جميع ممتلكاته.
45 ولكن إذا قال ذلك العبد في نفسه: سيدي سيتأخر في رجوعه؛ وأخذ يضرب الخادمين والخادمات ويأكل ويشرب ويسكر،
46 فإن سيد ذلك العبد يرجع في يوم لا يتوقعه وساعة لا يعرفها، فيمزقه ويجعل مصيره مع الخائنين.
47 وأما ذلك العبد الذي يعمل بإرادة سيده، فإنه سيضرب كثيرا.
48 ولكن الذي لا يعلمها ويعمل ما يستوجب الضرب، فإنه سيضرب قليلا. فكل من أعطي كثيرا، يطلب منه كثير؛ ومن أودع كثيرا، يطالب بأكثر.
49 جئت لألقي على الأرض نارا، فلكم أود أن تكون قد اشتعلت؟
50 ولكن لي معمودية علي أن أتعمد بها، وكم أنا متضايق حتى تتم!
51 أتظنون أني جئت لأرسي السلام على الأرض؟ أقول لكم: لا، بل بالأحرى الانقسام:
52 فإنه منذ الآن يكون في البيت الواحد خمسة فينقسمون: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة،
53 فالآب ينقسم على ابنه، والابن على أبيه، والأم على بنتها، والبنت على أمها، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها!»
54 وقال أيضا للجموع: «عندما ترون سحابة تطلع من الغرب، تقولون حالا: المطر آت! وهكذا يكون.
55 وعندما تهب ريح الجنوب، تقولون: سيكون حر! وهكذا يكون.
56 يا مراؤون! تعرفون أن تميزوا منظر الأرض والسماء، قكيف لا تميزون هذا الزمان؟
57 ولماذا لا تميزون ما هو حق من تلقاء أنفسكم؟
58 ففيما أنت ذاهب مع خصمك إلى المحاكمة، اجتهد في الطريق لتتصالح معه، لئلا يجرك إلى القاضي، فيسلمك القاضي إلى الشرطي، ويلقيك الشرطي في السجن.
59 أقول لك: إنك لن تخرج من هناك أبدا حتى تكون قد وفيت ما عليك إلى آخر فلس!»
1 وفي ذلك الوقت عينه، حضر بعضهم وأخبروه عن أهل الجليل الذين قتلهم بيلاطس فخلط دماءهم بدماء ذبائحهم.
2 فرد عليهم قائلا: «أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خاطئين أكثر من أهل الجليل الباقين حتى لاقوا هذا المصير؟
3 أقول لكم: لا، ولكن إن لم تتوبوا أنتم فجميعكم كذلك تهلكون!
4 أم تظنون أن الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام فقتلهم، كانوا مذنبين أكثر من جميع الساكنين في أورشليم؟
5 أقول لكم: لا، ولكن إن لم تتوبوا أنتم فجميعكم كذلك تهلكون!»
6 ثم ضرب هذا المثل: «كان عند أحدهم شجرة تين مغروسة في كرمه. فجاءها طلبا للثمر، فما وجد شيئا.
7 فقال للمزارع: هذه ثلاث سنين وأنا أقصد هذه التينة طلبا للثمر فلا أجد شيئا: اقطعها، لماذا نتركها تعطل الأرض؟
8 ولكن المزارع أجابه قائلا: ياسيد اتركها هذه السنة أيضا، حتى أنقب التربة من حولها وأضع سمادا.
9 فلعلها تنتج ثمرا! وإلا، فبعد ذلك تقطعها!»
10 وكان يعلم في أحد المجامع ذات سبت.
11 وإذا هناك امرأة كان قد سكنها روح فأمرضها طيلة ثماني عشرة سنة. وكانت حدباء لا تقدر أن تنتصب أبدا.
12 فلما رآها يسوع، دعاها، وقال لها: «ياامرأة، أنت في حل من دائك!»
13 ووضع يديه عليها، فعادت مستقيمة في الحال، ومجدت الله !
14 إلا أن رئيس المجمع، وقد ثار غضبه لأن يسوع شفى في السبت، قال للجمع: «في الأسبوع ستة أيام يسمح فيها بالعمل. ففي هذه الأيام تعالوا واستشفوا، لا في يوم السبت!»
15 فرد عليه الرب قائلا: «يامراؤون! ألا يحل كل واحد منكم يوم السبت رباط ثوره أو حماره من المذود ويذهب به فيسقيه!
16 وأما هذه المرأة، وهي ابنة لإبراهيم قد ربطها الشيطان طيلة ثماني عشرة سنة، أفما كان يجب أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت؟»
17 وإذ قال هذا، خجل جميع معارضيه، وفرح الجمع كله بجميع الأعمال المجيدة التي كان يجريها.
18 وقال الرب: «ماذا يشبه ملكوت الله؟ وبماذا أشبهه؟
19 إنه يشبه بزرة خردل أخذها إنسان وألقاها في بستانه، فنبتت وصارت شجرة عظيمة، وتآوت طيور السماء في أغصانها».
20 وقال أيضا: «بماذا أشبه ملكوت الله؟
21 إنه يشبه خميرة أخذتها امرأة وأخفتها في ثلاثة مقادير من الدقيق حتى اختمر العجين كله!»
22 واجتاز في المدن والقرى واحدة بعد واحدة، يعلم فيها وهو مسافر إلى أورشليم.
23 وسأله أحدهم: «ياسيد، أقليل عدد الذين سيخلصون؟» ولكنه قال للجميع:
24 «ابذلوا الجهد للدخول من الباب الضيق، فإني أقول لكم إن كثيرين سيسعون إلى الدخول، فلا يتمكنون.
25 فمن بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب، وتبدأون بالوقوف خارجا تقرعون الباب قائلين: يارب افتح لنا! فيجيبكم قائلا: لا أعرف من أين أنتم!
26 عندئذ تبدأون تقولون: أكلنا وشربنا بحضورك، وعلمت في شوارعنا!
27 وسوف يقول: أقول لكم، لا أعرف من أين أنتم؛ اغربوا من أمامي ياجميع فاعلي الإثم!
28 هناك سيكون البكاء وصرير الأسنان، عندما ترون إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وأنتم مطروحون خارجا.
29 وسيأتي أناس من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، ويتكئون في ملكوت الله.
30 فإذا آخرون يصيرون أولين، وأولون يصيرون آخرين».
31 في تلك الساعة نفسها، تقدم إليه بعض الفريسيين، قائلين له: «انج بنفسك! اهرب من هنا، فإن هيرودس عازم على قتلك».
32 فقال لهم: «اذهبوا، قولوا لهذا الثعلب: ها أنا أطرد الشياطين وأشفي المرضى اليوم وغدا. وفي اليوم الثالث يتم بي كل شيء.
33 ولكن لابد أن أكمل مسيرتي اليوم وغدا وما بعدهما، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي إلا في أورشليم!
34 ياأورشليم، ياأورشليم، ياقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها؛ كم مرة أردت أن أجمع أولادك معا كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولكنكم لم تريدوا!
35 ها إن بيتكم يترك لكم خرابا! وأقول لكم: إنكم لن تروني أبدا، حتى يأتي وقت تقولون فيه: مبارك الآتي باسم الرب!»
1 وإذ دخل بيت واحد من رؤساء الفريسيين في ذات سبت ليتناول الطعام، كانوا يراقبونه.
2 وإذا أمامه إنسان مصاب بالاستسقاء.
3 فخاطب يسوع علماء الشريعة والفريسيين، وسألهم: «أيحل إجراء الشفاء يوم السبت أم لا؟»
4 ولكنهم ظلوا صامتين. فأخذه وشفاه وصرفه.
5 وعاد يسألهم: «من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر يوم السبت ولا ينتشله حالا؟»
6 فلم يقدروا أن يجيبوه عن هذا.
7 وضرب للمدعوين مثلا بعدما لاحظ كيف اختاروا أماكن الصدارة، فقال لهم:
8 «عندما يدعوك أحد إلى وليمة عرس، فلا تتكيء في مكان الصدارة، إذ ربما كان قد دعا إليه من هو أرفع منك مقاما،
9 فيأتي الذي دعاك ودعاه ويقول لك: أخل المكان لهذا الرجل! وعندئذ تنسحب بخجل لتأخذ المكان الأخير.
10 ولكن، عندما تدعى، فاذهب واتكيء في المكان الأخير، حتى إذا جاء الذي دعاك، يقول لك: ياصديقي، قم إلى الصدر! وعندئذ يرتفع قدرك في نظر المتكئين معك.
11 فإن كل من يرفع نفسه يوضع، ومن يضع نفسه يرفع».
12 وقال أيضا للذي دعاه: «عندما تقيم غداء أو عشاء، فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا جيرانك الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضا بالمقابل، فتكون قد كوفئت.
13 ولكن، عندما تقيم وليمة ادع الفقراء والمعاقين والعرج والعمي؛
14 فتكون مباركا لأن هؤلاء لا يملكون ما يكافئونك به، فإنك تكافأ في قيامة الأبرار».
15 فلما سمع هذا أحد المتكئين، قال له: «طوبى لمن سيتناول الطعام في ملكوت الله!»
16 فقال له: «أقام إنسان عشاء عظيما، ودعا كثيرين.
17 ثم أرسل عبده ساعة العشاء ليقول للمدعوين: تعالوا، فكل شيء جاهز!
18 فبدأ الجميع يعتذرون على السواء. فقال له أولهم: اشتريت حقلا، وعلي أن أذهب وأراه أرجو منك أن تعذرني!
19 وقال غيره: اشتريت خمسة أزواج بقر، وأنا ذاهب لأجربها أرجو منك أن تعذرني!
20 وقال آخر: تزوجت بامرأة، ولذلك لا أقدر أن أحضر!
21 فرجع العبد وأخبر سيده بذلك. عندئذ غضب رب البيت وقال لعبده: اخرج سريعا إلى شوارع المدينة وأزقتها، وأحضر الفقراء والمعاقين والعرج والعمي إلى هنا!
22 (فرجع) الخادم يقول: ياسيد، قد جرى ما أمرت به، ويوجد بعد مكان.
23 فقال السيد للعبد: اخرج إلى الطرق والسياجات وأجبر الناس على الدخول حتى يمتليء بيتي،
24 فإني أقول لكم: إن واحدا من أولئك المدعوين لن يذوق عشائي!»
25 وكانت جموع كثيرة تسير معه، فالتفت وقال لهم:
26 «إن جاء إلي أحد، ولم يبغض أباه وأمه وزوجته وأولاده وإخوته وأخواته، بل نفسه أيضا، فلا يمكنه أن يكون تلميذا لي.
27 ومن لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يمكنه أن يكون تلميذا لي.
28 فأي منكم، وهو راغب في أن يبني برجا، لا يجلس أولا ويحسب الكلفة ليرى هل عنده ما يكفي لإنجازه؟
29 وذلك لئلا يضع له الأساس ولا يقدر أن ينجزه. أفلا يأخذ جميع الناظرين يسخرون منه.
30 قائلين: هذا الإنسان شرع يبني وعجز عن الإنجاز؟
31 أم أي ملك ذاهب لمحاربة آخر، لا يجلس أولا ويستشير ليرى هل يقدر أن يواجه بعشرة آلاف ذلك الزاحف عليه بعشرين ألفا.
32 وإلا فإنه، والعدو مازال بعيدا، يرسل إليه وفدا، طالبا ما يؤول إلى الصلح.
33 هكذا إذن، كل واحد منكم لا يهجر كل ما يملكه، لا يمكنه أن يكون تلميذا لي.
34 إنما الملح جيد. ولكن إذا فقد الملح طعمه، فبماذا تعاد إليه ملوحته؟
35 إنه لا يصلح لا للتربة ولا للسماد، فيطرح خارجا. من له أذنان للسمع، فليسمع!»
1 وكان جميع جباة الضرائب والخاطئين يتقدمون إليه ليسمعوه.
2 فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين: «هذا الإنسان يرحب بالخاطئين ويأكل معهم!»
3 فضرب لهم هذا المثل قائلا:
4 «أي إنسان منكم عنده مئة خروف وأضاع واحدا منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب يبحث عن الخروف الضائع حتى يجده؟
5 وبعد أن يجده، يحمله على كتفيه فرحا،
6 ثم يعود إلى البيت، ويدعو الأصدقاء والجيران، قائلا لهم: افرحوا معي، لأني وجدت خروفي الضائع !
7 أقول لكم إنه هكذا يكون في السماء فرح بخاطيء واحد تائب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون إلى توبة!
8 أم أية امرأة عندها عشرة دراهم، إذا أضاعت درهما واحدا، ألا تشعل مصباحا وتكنس البيت وتبحث بانتباه حتى تجده؟
9 وبعد أن تجده، تدعو الصديقات والجارات قائلة: افرحن معي، لأني وجدت الدرهم الذي أضعته.
10 أقول لكم: هكذا يكون بين ملائكة الله فرح بخاطيء واحد يتوب».
11 وقال: «كان لإنسان ابنان.
12 فقال أصغرهما لأبيه: ياأبي، أعطني الحصة التي تخصني من الميراث! فقسم لهما كل ما يملكه.
13 وبعد بضعة أيام، جمع الابن الأصغر كل ما عنده، ومضى إلى بلد بعيد. وهنالك بذر حصته من المال في عيشة الخلاعة.
14 ولكن لما أنفق كل شيء، اجتاحت ذلك البلد مجاعة قاسية، فأخذ يشعر بالحاجة.
15 فذهب والتحق بواحد من مواطني ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير.
16 وكم اشتهى لو يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فما أعطاه أحد!
17 ثم رجع إلى نفسه، وقال: ما أكثر خدام أبي المأجورين الذين يفضل عنهم الخبز، وأنا هنا أكاد أهلك جوعا!
18 سأقوم وأرجع إلى أبي، وأقول له: ياأبي، أخطأت إلى السماء وأمامك؛
19 ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك: اجعلني كواحد من خدامك المأجورين!
20 فقام ورجع إلى أبيه. ولكن أباه رآه وهو مازال بعيدا، فتحنن، وركض إليه وعانقه وقبله بحرارة.
21 فقال له الابن. ياأبي، أخطأت إلى السماء وأمامك، ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك…
22 أما الأب فقال لعبيده: أحضروا سريعا أفضل ثوب وألبسوه، وضعوا في إصبعه خاتما وفي قدميه حذاء.
23 وأحضروا العجل المسمن واذبحوه؛ ولنأكل ونفرح:
24 فإن ابني هذا كان ميتا فعاش، وكان ضائعا فوجد. فأخذوا يفرحون!
25 وكان ابنه الأكبر في الحقل. فلما جاء واقترب من البيت، سمع موسيقى ورقصا.
26 فدعا واحدا من الخدام واستفسره ما عسى أن يكون ذلك.
27 فأجابه: رجع أخوك، فذبح أبوك العجل المسمن لأنه استعاده سالما!
28 ولكنه غضب ورفض أن يدخل. فخرج أبوه وتوسل إليه.
29 غير أنه رد على أبيه قائلا: ها أنا أخدمك هذه السنين العديدة، ولم أخالف لك أمرا، ولكنك لم تعطني ولو جديا واحدا لأفرح مع أصدقائي.
30 ولكن لما عاد ابنك هذا الذي أكل مالك مع الفاجرات، ذبحت له العجل المسمن!
31 فقال له: يابني، أنت معي دائما، وكل ما أملكه هو لك!
32 ولكن كان من الصواب أن نفرح ونبتهج، لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد!»
1 وقال أيضا لتلاميذه: «كان لإنسان غني وكيل. فاتهم لديه بأنه يبذر أمواله.
2 فاستدعاه وسأله: ما هذا الذي أسمع عنك؟ قدم حساب وكالتك، فإنك لا يمكن أن تكون وكيلا لي بعد!
3 فقال الوكيل في نفسه: ما عسى أن أعمل، مادام سيدي سينزع عني الوكالة؟ لا أقوى على نقب الأرض؛ وأستحي أن أستعطي!
4 قد علمت ماذا أعمل، حتى إذا عزلت عن الوكالة، يستقبلني الأصدقاء في بيوتهم.
5 فاستدعى مديوني سيده واحدا فواحدا. وسأل أولهم: كم عليك لسيدي؟
6 فأجاب: مئة بث من الزيت. فقال له: خذ صكك، واجلس سريعا، واكتب خمسين!
7 ثم قال للآخر: وأنت، كم عليك؟ فأجاب: مئة كر من القمح. فقال له: خذ صكك، واكتب ثمانين!
8 فامتدح السيد وكيله الخائن لأنه تصرف بحكمة. فإن أبناء هذا العالم أحكم مع أهل جيلهم من أبناء النور.
9 وأقول لكم: اكسبوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فني مالكم، تقبلون في المنازل الأبدية!
10 إن الأمين في القليل أمين أيضا في الكثير، والخائن في القليل خائن أيضا في الكثير.
11 فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم، فمن يأتمنكم على مال الحق؟
12 وإن لم تكونوا أمناء في ما يخص غيركم، فمن يعطيكم ما يخصكم؟
13 ما من خادم يقدر أن يكون عبدا لسيدين: فإنه إما أن يبغض أحدهما، فيحب الآخر؛ وإما أن يلتحق بأحدهما، فيهجر الآخر. لا تستطيعون أن تكونوا عبيدا لله والمال معا».
14 وكان الفريسيون أيضا، وهم محبون للمال، يسمعون ذلك كله، فاستهزأوا به.
15 فقال لهم: «إنكم تبررون أنفسكم أمام الناس، ولكن الله يعرف قلوبكم. فما يعتبره الناس رفيع القدر، هو رجس عند الله.
16 ظلت الشريعة والأنبياء حتى زمن يوحنا: ومنذ ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يشق طريقه باجتهاد للدخول إليه.
17 على أن زوال السماء والأرض أسهل من سقوط نقطة واحدة من الشريعة:
18 كل من يطلق زوجته ويتزوج بأخرى، يرتكب الزنى. وكل من يتزوج بمطلقة من زوجها يرتكب الزنى.
19 كان هنالك إنسان غني، يلبس الأرجوان وناعم الثياب، ويقيم الولائم المترفة، متنعما كل يوم.
20 وكان إنسان مسكين اسمه لعازر، مطروحا عند بابه وهو مصاب بالقروح،
21 يشتهي أن يشبع من الفتات المتساقط من مائدة الغني. حتى الكلاب كانت تأتاي وتلحس قروحه.
22 ومات المسكين، وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم. ثم مات الغني أيضا ودفن.
23 وإذ رفع عينيه وهو في الهاوية يتعذب، رأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه.
24 فنادى قائلا: ياأباي إبراهيم! ارحمني، وأرسل لعازر ليغمس طرف إصبعه في الماء ويبرد لساني: فإني معذب في هذا اللهيب.
25 ولكن إبراهيم قال: يابني، تذكر أنك نلت خيراتك كاملة في أثناء حياتك، ولعازر نال البلايا. ولكنه الآن يتعزى هنا، وأنت هناك تتعذب.
26 وفضلا عن هذا كله، فإن بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت، حتى إن الذين يريدون العبور من هنا لا يقدرون، ولا الذين من هناك يستطيعون العبور إلينا!
27 فقال: ألتمس منك إذن، ياأبي، أن ترسله إلى بيت أبي،
28 فإن عندي خمسة إخوة، حتى يشهد لهم منذرا، لئلا يأتوا هم أيضا إلى مكان العذاب هذا.
29 ولكن إبراهيم قال له: عندهم موسى والأنبياء: فليسمعوا لهم!
30 فقال له: لا ياأبي إبراهيم، بل إذا ذهب إليهم واحد من بين الأموات يتوبون!
31 فقال له: إن كانوا لا يسمعون لموسى والأنبياء، فلا يقتنعون حتى لو قام واحد من بين الأموات!»
1 وقال لتلاميذه: «لابد من أن تأتي العثرات. ولكن الويل لمن تأتي على يده!
2 كان أنفع له لو علق حول عنقه حجر رحى وطرح في البحر، من أن يكون عثرة لأحد هؤلاء الصغار.
3 خذوا الحذر لأنفسكم: إن أخطأ أخوك، فعاتبه. فإذا تاب، فاغفر له.
4 وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم، وعاد إليك سبع مرات قائلا: أنا تائب! فعليك أن تغفر له».
5 وقال الرسل للرب: «زدنا إيمانا!»
6 ولكن الرب قال: «لو كان عندكم إيمان مثل بزرة الخردل، لكنتم تقولون لشجرة التوت هذه: انقلعي وانغرسي في البحر ! فتطيعكم!
7 «ولكن، أي واحد منكم يكون عنده عبد يحرث أو يرعى، فيقول له لدى رجوعه من الحقل: تقدم في الحال واتكيء؟
8 ألا يقول له بالأحرى: أحضر لي ما أتعشى به، وشد وسطك بالحزام واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت؟
9 وهل يشكر العبد لأنه عمل ما أمر به؟
10 هكذا أنتم أيضا، عندما تعملون كل ما تؤمرون به، قولوا: إنما نحن عبيد غير نافعين، قد عملنا ما كان واجبا علينا!»
11 وفيما هو صاعد إلى أورشليم، مر في وسط منطقتي السامرة والجليل.
12 ولدى دخوله إحدى القرى، لاقاه عشرة رجال مصابين بالبرص. فوقفوا من بعيد،
13 ورفعوا الصوت قائلين: «يايسوع، ياسيد، ارحمنا!»
14 فرآهم، وقال لهم: «اذهبوا واعرضوا أنفسكم على الكهنة!» وفيما كانوا ذاهبين، طهروا.
15 فلما رأى واحد منهم أنه قد طهر، عاد وهو يمجد الله بصوت عال،
16 وخر على وجهه عند قدميه مقدما له الشكر. وكان هذا سامريا.
17 فتكلم يسوع قائلا: «أما طهر العشرة؟ فأين التسعة؟
18 ألم يوجد من يعود ويقدم المجد لله سوى هذا الأجنبي؟»
19 ثم قال له: «قم وامض في سبيلك: إن إيمانك قد خلصك!»
20 وإذ سأله الفريسيون: «متى يأتي ملكوت الله؟» أجابهم قائلا: «إن ملكوت الله لا يأتي بعلامة منظورة.
21 ولا يقال: ها هو هنا، أو: ها هو هناك! فها إن ملكوت الله في داخلكم!»
22 ثم قال لتلاميذه: «سيأتي زمان تتشوقون فيه أن تروا ولو يوما واحدا من أيام ابن الإنسان، ولن تروا.
23 وسوف يقول بعضهم لكم: ها هو هناك، أو: ها هو هنا؛ فلا تذهبوا ولا تتبعوهم:
24 فكما أن البرق الذي يلمع تحت السماء من إحدى الجهات يضيء في جهة أخرى، هكذا يكون ابن الإنسان يوم يعود.
25 ولكن لابد له أولا من أن يعاني آلاما كثيرة وأن يرفضه هذا الجيل!
26 وكما حدث في زمان نوح، هكذا أيضا سوف يحدث في زمان ابن الإنسان:
27 كان الناس يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون، إلى اليوم الذي فيه دخل نوح السفينة وجاء الطوفان فأهلك الجميع.
28 وكذلك، كما حدث في زمان لوط: كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون،
29 ولكن في اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم، أمطر (الله ) من السماء نارا وكبريتا، فأهلك الجميع
30 هكذا سيحدث في يوم ظهور ابن الإنسان.
31 فمن كان في ذلك اليوم على السطح وأمتعته في البيت، فلا ينزل ليأخذها؛ ومن كان في الحقل كذلك، فلا يرجع إلى الوراء.
32 تذكروا زوجة لوط!
33 من يسعى لإنقاذ حياته يفقدها، ومن فقدها يحافظ عليها.
34 أقول لكم: في تلك الليلة يكون اثنان نائمين على سرير واحد، فيؤخذ الواحد ويترك الآخر؛
35 وتكون اثنتان تطحنان معا، فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى؛
36 ويكون اثنان في الحقل، فيؤخذ الواحد ويترك الآخر».
37 فردوا سائلين: «أين، يارب؟» فقال لهم: «حيث تكون الجيفة، هناك تتجمع النسور!»
1 وضرب لهم مثلا في وجوب الصلاة دائما ودون ملل،
2 قال: «كان في مدينة قاض لا يخاف الله ولا يحترم إنسانا.
3 وكان في تلك المدينة أرملة كانت تأتي إليه قائلة: أنصفني من خصمي!
4 فظل يرفض طلبها مدة من الزمن. ولكنه بعد ذلك قال في نفسه: حتى لو كنت لا أخاف الله ولا أحترم إنسانا،
5 فمهما يكن، فلأن هذه الأرملة تزعجني سأنصفها، لئلا تأتي دائما فتصدع رأسي!»
6 وقال الرب: «اسمعوا ما يقوله القاضي الظالم.
7 أفلا ينصف الله مختاريه الذين يصرخون إليه نهارا وليلا؟ أما يسرع في الاستجابة لهم؟
8 أقول لكم: إنه ينصفهم سريعا. ولكن، عندما يعود ابن الإنسان، أيجد إيمانا على الأرض؟»
9 وضرب أيضا هذا المثل لأناس يثقون في أنفسهم بأنهم أبرار ويحتقرون الآخرين:
10 «صعد إنسانان إلى الهيكل ليصليا، أحدهما فريسي والآخر جابي ضرائب.
11 فوقف الفريسي يصلي في نفسه هكذا: أشكرك، ياالله ، لأني لست مثل باقي الناس الطماعين الظالمين الزناة، ولا مثل جابي الضرائب هذا:
12 أصوم مرتين في الأسبوع، وأقدم عشر كل ما أجنيه!
13 ولكن جابي الضرائب، وقف من بعيد وهو لا يجرؤ أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع صدره قائلا: ارحمني، ياالله ، أنا الخاطيء!
14 أقول لكم: إن هذا الإنسان نزل إلى بيته مبررا، بعكس الآخر. فإن كل من يرفع نفسه يوضع؛ ومن يضع نفسه يرفع».
15 وأحضر بعضهم أطفالا أيضا ليلمسهم. ولكن التلاميذ لما رأوهم زجروهم.
16 أما يسوع فدعاهم إليه وقال: «دعوا الصغار يأتون إلي، ولا تمنعوهم: لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله !
17 الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله كأنه ولد صغير، فلن يدخله أبدا!»
18 وسأله واحد من الرؤساء قائلا: «أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟»
19 ولكن يسوع قال له: «لماذا تدعوني الصالح؟ ليس أحد صالحا إلا واحد، وهو الله !
20 أنت تعرف الوصايا: لا تزن؛ لا تقتل؛ لا تسرق؛ لا تشهد بالزور؛ أكرم أباك وأمك!»
21 فقال: «هذه كلها عملت بها منذ صغري!»
22 فلما سمع يسوع هذا، قال له: «ينقصك شيء واحد: بع كل ما عندك، ووزع على الفقراء، فيكون لك كنز في السماوات. ثم تعال اتبعني!»
23 ولكنه لما سمع ذلك، حزن حزنا شديدا، لأنه كان غنيا جدا.
24 فلما رأى يسوع ذلك منه، قال: «ما أصعب دخول الأغنياء إلى ملكوت الله!
25 فإن مرور جمل في ثقب إبرة أسهل من دخول غني إلى ملكوت الله».
26 فقال الذين سمعوا ذلك: «إذن، من يقدر أن يخلص؟»
27 فقال: «إن المستحيل عند الناس مستطاع عند الله!»
28 فقال بطرس: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك!»
29 فقال لهم: «الحق أقول لكم: ما من أحد ترك بيتا، أو زوجة، أو إخوة أو والدين، أو أولادا، من أجل ملكوت الله،
30 إلا وينال أضعاف ذلك في هذا الزمان، وينال في الزمان الآتي الحياة الأبدية!»
31 ثم انتحى بالاثني عشر وقال لهم: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وسوف تتم جميع الأمور التي كتبها الأنبياء عن ابن الإنسان.
32 فإنه سيسلم إلى أيدي الأمم، فيستهزأ به ويهان ويبصق عليه.
33 وبعد أن يجلدوه يقتلونه. وفي اليوم الثالث يقوم!»
34 ولكنهم لم يفهموا شيئا من ذلك. وكان هذا الأمر خافيا عنهم، ولم يدركوا ما قيل.
35 ولما وصل إلى جوار أريحا، كان أحد العميان جالسا على جانب الطريق يستعطي.
36 فلما سمع مرور الجمع، استخبر عما عسى أن يكون ذلك.
37 فقيل له: «إن يسوع الناصري مار من هناك».
38 فنادى قائلا «يايسوع ابن داود، ارحمني!
39 فزجره السائرون في المقدمة ليسكت. ولكنه أخذ يزيد صراخا أكثر: «يا ابن داود، ارحمني!»
40 فتوقف يسوع وأمر أن يؤتى به إليه. فلما اقترب سأله:
41 «ماذا تريد أن أفعل لك؟» فقال: «يارب، أن ترد لي البصر!»
42 فقال له يسوع: «أبصر! إيمانك قد شفاك».
43 وفي الحال أبصر، وتبعه وهو يمجد الله. ولما رأى جميع الشعب ذلك، سبحوا الله.
1 ثم دخل أريحا واجتاز فيها.
2 وإذا هناك رجل اسمه زكا، رئيس لجباة الضرائب، وكان غنيا.
3 وقد سعى أن يرى من هو يسوع، فلم يقدر بسبب الزحام، لأنه كان قصير القامة.
4 فتقدم راكضا وتسلق شجرة جميز لعله يرى يسوع، فقد كان سيمر من هناك.
5 فلما وصل يسوع إلى ذلك المكان، رفع نظره ورآه، فقال له: «يا زكا، أسرع وانزل، لأنه لابد أن أقيم اليوم في بيتك!»
6 فأسرع ونزل واستقبله بفرح.
7 فلما رأى الجميع ذلك، تذمروا قائلين: «قد دخل ليبيت عند رجل خاطيء!»
8 ولكن زكا وقف وقال للرب: «يارب، ها أنا أعطي نصف أموالي للفقراء. وإن كنت قد اغتصبت شيئا من أحد، أرد له أربعة أضعاف!»
9 فقال له يسوع: «اليوم تم الخلاص لهذا البيت، إذ هو أيضا ابن إبراهيم.
10 فإن ابن الإنسان قد جاء ليبحث عن الهالكين ويخلصهم».
11 وبينما هم يستمعون إلى هذا الكلام، عاد فضرب مثلا، لأنه كان قد اقترب من أورشليم وكانوا يظنون أن ملكوت الله على وشك أن يعلن حالا،
12 فقال: «ذهب إنسان نبيل إلى بلد بعيد ليتسلم له ملكا ثم يعود.
13 فاستدعى عبيده العشرة، وأودعهم عشر وزنات، وقال لهم: تاجروا إلى أن أعود.
14 ولكن أهل بلده كانوا يبغضونه، فأرسلوا في إثره وفدا، قائلين: لا نريد أن يملك هذا علينا!
15 ولدى عودته بعدما تسلم الملك، أمر أن يدعى إليه هؤلاء العبيد الذين أودعهم المال، ليعرف ما ربحه كل واحد منهم بتجارته.
16 فتقدم الأول قائلا: ياسيد، إن وزنتك ربحت عشر وزنات!
17 فقال له: حسنا فعلت أيها العبد الصالح. فلأنك كنت أمينا في ما هو قليل، فكن واليا على عشر مدن!
18 وتقدم الثاني قائلا: ياسيد، إن وزنتك ربحت خمس وزنات!
19 فقال لهذا أيضا: وكن أنت واليا على خمس مدن!
20 ثم تقدم عبد آخر قائلا: ياسيد، ها هي وزنتك التي حفظتها مطوية في منديل.
21 فقد كنت أخاف منك لأنك إنسان قاس، تستوفي ما لم تستودعه، وتحصد ما لم تزرعه!
22 فقال له: من فمك سأحكم عليك أيها العبد الشرير: عرفت أني إنسان قاس، أستوفي ما لم أستودعه، وأحصد ما لم أزر عه.
23 فلماذا لم تودع مالي في المصرف، فكنت أستوفيه مع الفائدة عند عودتي؟
24 ثم قال للواقفين هناك: خذوا منه الوزنة وأعطوها لصاحب الوزنات العشر ..
25 فقالوا له: ياسيد، إن عنده عشر وزنات! فقال:
26 إني أقول لكم إن كل من عنده يعطى المزيد؛ وأما من ليس عنده، فحتى الذي عنده ينتزع منه.
27 وأما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأحضروهم إلى هنا واذبحوهم قدامي!»
28 وبعدما قال هذا الكلام، تقدم صاعدا إلى أورشليم.
29 ولما اقترب من بيت فاجي وبيت عنيا، عند الجبل المعروف بجبل الزيتون، أرسل اثنين من تلاميذه، قائلا:
30 «اذهبا إلى القرية المقابلة لكما، وعندما تدخلانها تجدان جحشا مربوطا لم يركب عليه أحد من الناس قط، فحلا رباطه، وأحضراه إلى هنا.
31 وإن سألكما أحد: لماذا تحلان رباطه؟ فقولا له هكذا: لأن الرب بحاجة إليه!»
32 فذهب التلميذان اللذان أرسلا في طريقهما ووجدا كما قال الرب لهما.
33 وفيما كانا يحلان رباط الجحش، سألهما أصحابه: «لماذا تحلان رباط الجحش؟»
34 فقالا: «لأن الرب بحاجة إليه!»
35 ثم أحضراه إلى يسوع؛ ووضعا ثيابهما على الجحش وأركبا يسوع.
36 وبينما هو سائر، أخذوا يفرشون الطريق بثيابهم.
37 ولما اقترب (من أورشليم) إذ وصل إلى منحدر جبل الزيتون، أخذ جماعة التلاميذ يهتفون جميعا بفرح مسبحين الله بصوت عال على جميع المعجزات التي شاهدوها،
38 فيقولون: «مبارك الملك الآتي باسم الرب! سلام في السماء ومجد في الأعالي!»
39 ولكن بعض الفريسيين من الجمع قالوا له: «يامعلم، ازجر تلاميذك!»
40 فأجابهم قائلا: «أقول لكم: إن سكت هؤلاء، هتفت الحجارة!»
41 ولما اقترب، ورأى المدينة، بكى عليها،
42 قائلا: «ليتك أنت أيضا، في يومك هذا، عرفت ما فيه سلامك! ولكن ذلك محجوب الآن عن عينيك.
43 فستأتي عليك أيام يحاصرك فيها أعداؤك بالمتاريس، ويطبقون عليك، ويشددون عليك الحصار من كل جهة،
44 ويهدمونك على أبنائك الذين فيك، فلا يتركون فيك حجرا فوق حجر: لأنك لم تعرفي وقت افتقاد الله لك».
45 ولدى دخوله الهيكل، أخذ يطرد الذين كانوا يبيعون فيه ويشترون،
46 قائلا لهم: «قد كتب: إن بيتي هو بيت للصلاة. أما أنتم، فقد جعلتموه مغارة لصوص!»
47 وكان يعلم يوما فيوما في الهيكل. وسعى رؤساء الكهنة والكتبة ووجهاء الشعب إلى قتله.
48 ولكنهم لم يهتدوا إلى ما يفعلون، لأن الشعب كله كان ملتصقا به للاستماع إليه.
1 وفيما كان يعلم الشعب في الهيكل ذات يوم، ويبشر، تصدى له رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ،
2 وخاطبوه قائلين: «قل لنا بأية سلطة تفعل ما فعلت؟ أو من منحك هذه السلطة؟»
3 فأجابهم يسوع قائلا: «وأنا أيضا أسألكم أمرا واحدا، فأجيبوني عنه:
4 أمن السماء كانت معمودية يوحنا أم من الناس؟»
5 فتشاوروا فيما بينهم قائلين: «إن قلنا: من السماء، يقول: ولماذا لم تؤمنوا به؟
6 وإن قلنا: من الناس، يرجمنا الشعب كله، لأنهم مقتنعون أن يوحنا كان نبيا».
7 فأجابوا أنهم لا يعرفون من أين هي.
8 فقال لهم يسوع: «وأنا لا أقول لكم بأية سلطة أفعل ما فعلت!»
9 وأخذ يكلم الشعب بهذا المثل: «غرس إنسان كرما وسلمه إلى مزارعين، وسافر مدة طويلة.
10 وفي موسم القطاف أرسل إلى المزارعين عبدا، لكي يعطوه من ثمر الكرم. ولكن المزارعين ضربوه وردوه فارغ اليدين.
11 فعاد وأرسل عبدا آخر. إلا أنهم ضربوه أيضا وأهانوه وردوه فارغ اليدين.
12 ثم عاد وأرسل عبدا ثالثا، فجرحوه وطرحوه خارج الكرم.
13 فقال رب الكرم: ماذا أفعل؟ سأرسل ابني الحبيب، لعلهم يهابونه!
14 ولكن ما إن رآه المزارعون، حتى تشاوروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوريث. فلنقتله ليصير الميراث لنا.
15 فطرحوه خارج الكرم وقتلوه. فماذا إذن يفعل رب الكرم بهم؟
16 إنه يأتي ويهلك أولئك المزارعين، ويسلم الكرم إلى غيرهم».
17 ولكنه نظر إليهم وقال: «إذن ما معنى هذه الآية المكتوبة: الحجر الذي رفضه البناة، هو نفسه صار حجر الزاوية؟
18 من يقع على هذا الحجر يتكسر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا؟»
19 فسعى رؤساء الكهنة والكتبة إلى إلقاء القبض عليه في تلك الساعة عينها، ولكنهم خافوا الشعب، فقد أدركوا أنه عناهم بهذا المثل.
20 فجعلوا يراقبونه، وبثوا حوله جواسيس يتظاهرون أنهم أبرار، لكي يمسكوه بكلمة يقولها، فيسلموه إلى قضاء الحاكم وسلطته.
21 فقالوا يسألونه: «يامعلم، نعلم أنك تتكلم وتعلم بالصدق، فلا تراعي مقامات الناس، بل تعلم طريق الله بالحق:
22 أفيحل لنا أن ندفع الجزية للقيصر، أم لا؟»
23 فأدرك مكرهم، وقال لهم:
24 «أروني دينارا: لمن الصورة والنقش عليه؟» فأجابوا: «للقيصر!»
25 فقال لهم: «إذن، أعطوا ما للقيصر للقيصر، وما لله لله».
26 فلم يتمكنوا من الإيقاع به أمام الشعب بكلمة يقولها، فسكتوا مدهوشين مما سمعوا.
27 وتصدى له بعض الصدوقيين الذين ينكرون أمر القيامة، وسألوه قائلين:
28 «يامعلم، كتب لنا موسى: إن مات لأحد أخ متزوج وليس له ولد، فعلى أخيه أن يتزوج بأرملته ويقيم نسلا على اسم أخيه.
29 فقد كان هناك سبعة إخوة، اتخذ أولهم زوجة ثم مات دون ولد،
30 فتزوج الثاني بالأرملة،
31 ثم اتخذها الثالث ... حتى تزوج بها السبعة وماتوا دون أن يخلفوا ولدا.
32 ومن بعدهم جميعا ماتت المرأة أيضا.
33 ففي القيامة لمن منهم تكون المرأة زوجة، فقد كانت زوجة لكل من السبعة».
34 فرد عليهم يسوع قائلا: «أبناء الزمان الحاضر يزوجون ويزوجون.
35 أما الذين حسبوا أهلا للمشاركة في الزمان الآتي والقيامة من بين الأموات، فلا يزوجون ولا يزوجون.
36 إذ لا يمكن أن يموتوا أيضا بعد ذلك، لأنهم يكونون مثل الملائكة، وهم أبناء الله لكونهم أبناء القيامة.
37 وأما أن الموتى يقومون، فحتى موسى أشار إلى ذلك في الحديث عن العليقة، حيث يدعو الرب إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.
38 ولكن الله ليس إله أموات بل هو إله أحياء، فإن الجميع يحيون لديه!»
39 فقال بعض الكتبة: «يامعلم، أحسنت الكلام!»
40 ولم يجرؤ أحد بعد ذلك أن يسأله شيئا.
41 وقال لهم: «كيف يقال إن المسيح هو ابن داود،
42 فيما يقول داود نفسه في كتاب المزامير: قال الرب لربي: اجلس عن يميني
43 حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك؟
44 إذن، داود يدعوه ربا، فكيف يكون ابنه؟»
45 وفيما كان جميع الشعب يصغون، قال لتلاميذه:
46 «احذروا من الكتبة الذين يرغبون التجول بالأثواب الفضفاضة، ويحبون تلقي التحيات في الساحات العامة، وصدور المجالس في المجامع، وأماكن الصدارة في الولائم؛
47 يلتهمون بيوت الأرامل ويتذرعون بإطالة الصلوات. هؤلاء ستنزل بهم دينونة أقسى!»
1 وتطلع فرأى الأغنياء يلقون تقدماتهم في صندوق الهيكل.
2 ورأى أيضا أرملة فقيرة تلقي فيه فلسين.
3 فقال: «الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر منهم جميعا.
4 لأن هؤلاء جميعا قد ألقوا في التقدمات من الفائض عنهم. وأما هي، فمن حاجتها ألقت كل ما تملكه لمعيشتها!»
5 وإذ تحدث بعضهم عن الهيكل بأنه مزين بالحجارة الجميلة وتحف النذور،
6 قال: «إن هذا الذي ترونه، ستأتي أيام لا يبقى فيها حجر منه فوق حجر إلا ويهدم».
7 فسألوه قائلين: «يامعلم، متى يحدث هذا؟ وما هي العلامة التي تظهر حين يقترب وقوعه؟»
8 فقال: «انتبهوا! لا تضلوا! فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين إني أنا هو وإن الزمان قد اقترب: فلا تتبعوهم!
9 وعندما تسمعون بالحروب والاَضطرابات، فلا ترتعبوا، لأن هذه الأمور لابد من حدوثها أولا، ولكن النهاية لا تأتي حالا بعدها!»
10 ثم قال لهم: «ستنقلب أمة على أمة ومملكة على مملكة،
11 وتحدث في عدة أماكن زلازل شديدة ومجاعات وأوبئة، وتظهر علامات مخيفة وآيات عظيمة من السماء.
12 ولكن قبل هذه الأمور كلها يمد الناس أيديهم إليكم ويضطهدونكم، فيسلمونكم إلى المجامع والسجون، ويسوقونكم للمثول أمام الملوك والحكام، من أجل اسمي.
13 ولكن ذلك سيتيح لكم فرصة للشهادة.
14 فضعوا في قلوبكم ألا تعدوا دفاعكم مسبقا،
15 لأني سوف أعطيكم كلاما وحكمة لا يقدر جميع مقاوميكم أن يردوها أو يناقضوها.
16 وسوف يسلمكم حتى الوالدون والإخوة والأقرباء والأصدقاء، ويقتلون بعضا منكم،
17 وتكونون مكروهين لدى الجميع من أجل اسمي.
18 ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك البتة.
19 فباحتمالكم تربحون أنفسكم!
20 وعندما ترون أورشليم محاصرة بالجيوش، فاعلموا أن خرابها قد اقترب.
21 عندئذ، ليهرب الذين في منطقة اليهودية إلى الجبال، وليرحل من المدينة من هم فيها، ولا يدخلها من هم في الأرياف:
22 فإن هذه الأيام أيام انتقام يتم فيها كل ما قد كتب.
23 ولكن الويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام، لأن ضيقة عظيمة سوف تقع على الأرض وغضبا شديدا سينزل بهذا الشعب،
24 فيسقطون بحد السيف ويساقون أسرى إلى جميع الأمم، وتبقى أورشليم تدوسها الأمم إلى أن تكتمل أزمنة الأمم.
25 وستظهر علامات في الشمس والقمر والنجوم، وتكون على الأرض ضيقة على الأمم الواقعة في حيرة، لأن البحر والأمواج تعج وتجيش،
26 ويغمى على الناس من الرعب ومن توقع ما سوف يجتاح المسكونة، إذ تتزعزع قوات السماوات.
27 عندئذ يرون ابن الإنسان آتيا في السحاب بقوة ومجد عظيم.
28 ولكن عندما تبدأ هذه الأمور تحدث، فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن فداءكم يقترب».
29 وضرب لهم مثلا: «انظروا إلى التينة وباقي الأشجار!
30 عندما ترونها قد أورقت تعلمون من تلقاء أنفسكم أن الصيف بات قريبا.
31 فهكذا أنتم أيضا، عندما ترون هذه الأمور حادثة، فاعلموا أن ملكوت الله بات قريبا.
32 الحق أقول لكم: لا يزول هذا الجيل أبدا حتى تحدث هذه كلها.
33 إن السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول أبدا.
34 ولكن احذروا لأنفسكم لئلا تتثقل قلوبكم بالانغماس في اللذات وبالسكر وهموم الحياة، فيدهمكم ذلك اليوم فجأة؛
35 فإنه سوف يطبق كالفخ على جميع الساكنين على وجه الأرض كلها.
36 فاسهروا إذن وتضرعوا في كل حين، لكي تتمكنوا من أن تنجوا من جميع هذه الأمور التي هي على وشك أن تحدث، وتقفوا أمام ابن الإنسان».
37 وكان في النهار يعلم في الهيكل، وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل المعروف بجبل الزيتون.
38 وكان جميع الشعب يبكرون إليه في الهيكل ليستمعوا إليه.
1 واقترب عيد الفطير، المعروف بالفصح
2 ومازال رؤساء الكهنة والكتبة يسعون كي يقتلوا يسوع، لأنهم كانوا خائفين من الشعب.
3 ودخل الشيطان في يهوذا الملقب بالإسخريوطي، وهو في عداد الاثني عشر.
4 فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد حرس الهيكل كيف يسلمه إليهم.
5 ففرحوا، واتفقوا أن يعطوه بعض المال.
6 فرضى، وأخذ يتحين فرصة ليسلمه إليهم بعيدا عن الجمع.
7 وجاء يوم الفطير الذي كان يجب أن يذبح فيه (حمل) الفصح.
8 فأرسل بطرس ويوحنا قائلا: «اذهبا وجهزا لنا الفصح، لنأكل!»
9 فسألاه: «أين تريد أن نجهز؟»
10 فقال لهما: «حالما تدخلان المدينة، يلاقيكما إنسان يحمل جرة ماء، فالحقا به إلى البيت الذي يدخله.
11 وقولا لرب ذلك البيت: يقول لك المعلم: أين غرفة الضيوف التي آكل فيها (حمل) الفصح مع تلاميذي؟
12 فيريكما غرفة في الطبقة العليا، كبيرة ومفروشة. هناك تجهزان!»
13 فانطلقا، ووجدا كما قال لهما، وجهزا الفصح.
14 ولما حانت الساعة، اتكأ ومعه الرسل،
15 وقال لهم: «اشتهيت بشوق أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم.
16 فإني أقول لكم: لن آكل منه بعد، حتى يتحقق في ملكوت الله».
17 وإذ تناول كأسا وشكر، قال: «خذوا هذه واقتسموها بينكم.
18 فإني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله!»
19 وإذ أخذ رغيفا، شكر، وكسر، وأعطاهم قائلا: «هذا جسدي الذي يبذل لأجلكم. هذا افعلوه لذكري!»
20 وكذلك أخذ الكأس أيضا بعد العشاء، وقال: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك لأجلكم.
21 ثم إن يد الذي يسلمني هي معي على المائدة.
22 فابن الإنسان لابد أن يمضي كما هو محتوم، ولكن الويل لذلك الرجل الذي يسلمه!»
23 فأخذوا يتساءلون فيما بينهم: من منهم يوشك أن يفعل هذا.
24 وقام بينهم أيضا جدال في أيهم يحسب الأعظم.
25 فقال لهم: «إن ملوك الأمم يسودونهم، وأصحاب السلطة عندهم يدعون محسنين.
26 وأما أنتم، فلا يكن ذلك بينكم، بل ليكن الأعظم بينكم كالأصغر، والقائد كالخادم.
27 فمن هو أعظم: الذي يتكيء أم الذي يخدم؟ أليس الذي يتكيء؟ ولكني أنا في وسطكم كالذي يخدم.
28 أنتم هم الذين صمدوا معي في تجاربي.
29 وأنا أعين لكم، كما عين لي أبي، ملكوتا،
30 لكي تأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على عروش تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر.
31 وقال الرب «سمعان، سمعان! ها إن الشيطان قد طلبكم لكي يغربلكم كما يغربل القمح،
32 ولكني تضرعت لأجلك لكي لا يخيب إيمانك. وأنت، بعد أن تسترد، ثبت إخوتك».
33 فقال له: «يارب، إني مستعد أن أذهب معك إلى السجن وإلى الموت معا!»
34 فقال: «إني أقول لك يابطرس إن الديك لا يصيح اليوم حتى تكون قد أنكرت ثلاث مرات أنك تعرفني!»
35 ثم قال لهم: «حين أرسلتكم بلا صرة مال ولا كيس زاد ولا حذاء، هل احتجتم إلى شيء؟» فقالوا: «لا!»
36 فقال لهم: «أما الآن، فمن عنده صرة مال، فليأخذها؛ وكذلك من عنده حقيبة زاد. ومن ليس عنده، فليبع رداءه ويشتر سيفا.
37 فإني أقول لكم: إن هذا الذي كتب عد مع المجرمين لابد أن يتم في، لأن كل نبوءة تختص بي لها إتمام!»
38 فقالوا: «يارب ها هنا سيفان». فقال لهم: «كفى!»
39 ثم انطلق وذهب كعادته إلى جبل الزيتون، وتبعه التلاميذ أيضا.
40 ولما وصل إلى المكان، قال لهم: «صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة».
41 وابتعد عنهم مسافة تقارب رمية حجر، وركع يصلي
42 قائلا: «ياأبي، إن شئت أبعد عني هذه الكأس. ولكن، لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك».
43 وظهر له ملاك من السماء يشدده.
44 وإذ كان في صراع، أخذ يصلي بأشد إلحاح؛ حتى إن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض.
45 ثم قام من الصلاة وجاء إلى التلاميذ، فوجدهم نائمين من الحزن.
46 فقال لهم: «ما بالكم نائمين؟ قوموا وصلوا لكي لا تدخلوا في تجربة!»
47 وفيما هو يتكلم، إذا جمع يتقدمهم المدعو يهوذا، وهو واحد من الاثني عشر. فتقدم إلى يسوع ليقبله.
48 فقال له يسوع: «يايهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟»
49 فلما رأى الذين حوله ما يوشك أن يحدث، قالوا: «يارب، أنضرب بالسيف؟»
50 وضرب أحدهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى.
51 فأجاب يسوع قائلا: «قفوا عند هذا الحد!» ولمس أذنه فشفاه.
52 وقال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد حرس الهيكل والشيوخ، الذين أقبلوا عليه: «أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصي؟
53 عندما كنت معكم كل يوم في الهيكل، لم تمدوا أيديكم علي. ولكن هذه الساعة لكم، والسلطة الآن للظلام!»
54 وإذ قبضوا عليه، ساقوه حتى دخلوا به قصر رئيس الكهنة. وتبعه بطرس من بعيد.
55 ولما أشعلت نار في ساحة الدار وجلس بعضهم حولها، جلس بطرس بينهم.
56 فرأته خادمة جالسا عند الضوء، فدققت النظر فيه، وقالت: «وهذا كان معه!»
57 ولكنه أنكر قائلا: «ياامرأة، لست أعرفه!»
58 وبعد وقت قصير رآه آخر فقال: «وأنت منهم!» ولكن بطرس قال: «ياإنسان، ليس أنا!»
59 وبعد مضي ساعة تقريبا، قال آخر مؤكدا: «حقا إن هذا كان معه أيضا، لأنه أيضا من الجليل!»
60 فقال بطرس: «ياإنسان، لست أدري ما تقول!» وفي الحال وهو مازال يتكلم، صاح الديك.
61 فالتفت الرب ونظر إلى بطرس. فتذكر بطرس كلمة الرب إذ قال له: «قبل أن يصيح الديك تكون قد أنكرتني ثلاث مرات».
62 وانطلق إلى الخارج، وبكى بكاء مرا.
63 أما الرجال الذين كانوا يحرسون يسوع، فقد أخذوا يسخرون منه ويضربونه،
64 ويغطون وجهه ويسألونه: «تنبأ! من الذي ضربك؟»
65 ووجهوا إليه شتائم أخرى كثيرة.
66 ولما طلع النهار، اجتمع مجلس شيوخ الشعب المؤلف من رؤساء الكهنة والكتبة، وساقوه أمام مجلسهم.
67 وقالوا: «إن كنت أنت المسيح، فقل لنا!» فقال لهم: «إن قلت لكم، لا تصدقون،
68 وإن سألتكم، لا تجيبونني.
69 إلا أن ابن الإنسان من الآن سيكون جالسا عن يمين قدرة الله!»
70 فقالوا كلهم: «أأنت إذن ابن الله؟» قال لهم: «أنتم قلتم، إني أنا هو!»
71 فقالوا: «أية حاجة بنا بعد إلى شهود؟ فها نحن قد سمعنا (شهادة) من فمه !»
1 فقامت جماعتهم كلها، وساقوا يسوع إلى بيلاطس.
2 وبدأوا يتهمونه قائلين: «تبين لنا أن هذا يضلل أمتنا، ويمنع أن تدفع الجزية للقيصر ويدعي أنه المسيح الملك!»
3 فسأله بيلاطس: «أأنت ملك اليهود؟» فأجابه: «أنت قلت!»
4 فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: «لا أجد ذنبا في هذا الإنسان!»
5 ولكنهم ألحوا قائلين: «إنه يثير الشعب، معلما في اليهودية كلها، ابتداء من الجليل حتى هنا!»
6 فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل، استفسر: «هل الرجل من الجليل؟».
7 وإذ علم أنه تابع لسلطة هيرودس، أحاله على هيرودس، إذ كان هو أيضا في أورشليم في تلك الأيام.
8 ولما رأى هيرودس يسوع، فرح جدا، لأنه كان يتمنى من زمان طويل أن يراه بسبب سماعه الكثير عنه، ويرجو أن يرى آية تجرى على يده.
9 فسأله في قضايا كثيرة، أما هو فلم يجبه عن شيء.
10 ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يتهمونه بعنف.
11 فاحتقره هيرودس وجنوده، وسخر منه، إذ ألبسه ثوبا براقا ورده إلى بيلاطس.
12 وصار بيلاطس وهيرودس صديقين في ذلك اليوم، وقد كانت بينهما عداوة سابقة.
13 فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والقواد والشعب.
14 وقال لهم: «أحضرتم إلي هذا الإنسان على أنه يضلل الشعب. وها أنا، بعدما فحصت الأمر أمامكم، لم أجد في هذا الإنسان أي ذنب مما تتهمونه به،
15 ولا وجد هيرودس أيضا، إذ رده إلينا. وها إنه لم يفعل شيئا يستوجب الموت.
16 فسأجلده إذن وأطلقه.
17 وكان عليه أن يطلق لهم في كل عيد سجينا واحدا.
18 ولكنهم صرخوا بجملتهم: «اقتل هذا، وأطلق لنا باراباس!»
19 وكان ذاك قد ألقي في السجن بسبب فتنة حدثت في المدينة وبسبب قتل.
20 فخاطبهم بيلاطس ثانية وهو راغب في إطلاق يسوع.
21 فردوا صارخين: «اصلبه! اصلبه!»
22 فسألهم ثالثة: «فأي شر فعل هذا؟ لم أجد فيه ذنبا عقوبته الموت. فسأجلده إذن وأطلقه!»
23 فأخذوا يلحون صارخين بأصوات عالية، طالبين أن يصلب! فتغلبت أصواتهم،
24 وحكم بيلاطس أن ينفذ طلبهم.
25 فأطلق الذي كان قد ألقي في السجن بسبب الفتنة والقتل، ذاك الذي طلبوا إطلاقه. وأما يسوع فسلمه إلى إرادتهم.
26 وفيما هم يسوقونه (إلى الصلب)، أمسكوا رجلا من القيروان اسمه سمعان، كان راجعا من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع.
27 وقد تبعه جمع كبير من الشعب ومن نساء كن يولولن ويندبنه.
28 فالتفت إليهن يسوع، وقال: «يابنات أورشليم، لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن!
29 فها إن أياما ستأتي فيها يقول الناس: طوبى للعواقر اللواتي ما حملت بطونهن ولا أرضعت أثداؤهن!
30 عندئذ يقولون للجبال: اسقطي علينا، وللتلال: غطينا!
31 فإن كانوا قد فعلوا هذا بالغصن الأخضر، فماذا يجري لليابس؟»
32 وسيق إلى القتل مع يسوع أيضا اثنان من المجرمين.
33 ولما وصلوا إلى المكان الذي يدعى الجمجمة، صلبوه هناك مع المجرمين، أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار.
34 وقال يسوع: «ياأبي، اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ما يفعلون!» واقتسموا ثيابه مقترعين عليها.
35 ووقف الشعب هناك يراقبونه، وكذلك الرؤساء يتهكمون قائلين: «خلص آخرين! فليخلص نفسه إن كان هو المسيح المختار عند الله!»
36 وسخر منه الجنود أيضا، فكانوا يتقدمون إليه ويقدمون له خلا،
37 قائلين: «إن كنت أنت ملك اليهود، فخلص نفسك»
38 وكان معلقا فوقه لافتة كتب فيها: «هذا هو ملك اليهود».
39 وأخذ واحد من المجرمين المصلوبين يجدف عليه فيقول: «ألست أنت المسيح؟ إذن خلص نفسك وخلصنا!»
40 ولكن الآخر كلمه زاجرا فقال: «أحتى أنت لا تخاف الله ، وأنت تعاني العقوبة نفسها؟
41 أما نحن فعقوبتنا عادلة لأننا ننال الجزاء العادل لقاء ما فعلنا. وأما هذا الإنسان، فلم يفعل شيئا في غير محله!»
42 ثم قال: «يايسوع، اذكرني عندما تجيء في ملكوتك!»
43 فقال له يسوع: «الحق أقول لك: اليوم ستكون معي في الفردوس!»
44 ونحو الساعة السادسة (الثانية عشرة ظهرا)، حل الظلام على الأرض كلها حتى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر).
45 وأظلمت الشمس، وانشطر ستار الهيكل من الوسط.
46 وقال يسوع صارخا بصوت عظيم: «ياأبي، في يديك أستودع روحي!» وإذ قال هذا، أسلم الروح.
47 فلما رأى قائد المئة ما حدث، مجد الله قائلا: «بالحقيقة كان هذا الإنسان بارا».
48 كذلك الجموع الذين احتشدوا ليراقبوا مشهد الصلب، لما رأوا ما حدث، رجعوا قارعين الصدور.
49 أما جميع معارفه، بمن فيهم النساء اللواتي تبعنه من الجليل، فقد كانوا واقفين من بعيد يراقبون هذه الأمور.
50 وكان في المجلس الأعلى إنسان اسمه يوسف، وهو إنسان صالح وبار
51 لم يكن موافقا على قرار أعضاء المجلس وفعلتهم، وهو من الرامة إحدى مدن اليهود، وكان من منتظري ملكوت الله.
52 فإذا به قد تقدم إلى بيلاطس وطلب جثمان يسوع.
53 ثم أنزله (من على الصليب) وكفنه بكتان، ووضعه في قبر منحوت (في الصخر) لم يدفن فيه أحد من قبل.
54 وكان ذلك النهار يوم الإعداد للسبت الذي كان قد بدأ يقترب.
55 وتبعت يوسف النساء اللواتي خرجن من الجليل مع يسوع، فرأين القبر وكيف وضع جثمانه.
56 ثم رجعن وهيأن حنوطا وطيبا، واسترحن يوم السبت حسب الوصية.
1 ولكن في اليوم الأول من الأسبوع، باكرا جدا، جئن إلى القبر حاملات الحنوط الذي هيأنه.
2 فوجدن أن الحجر قد دحرج عن القبر.
3 ولكن لما دخلن لم يجدن جثمان الرب يسوع.
4 وفيما هن متحيرات في ذلك، إذا رجلان بثياب براقة قد وقفا بجانبهن.
5 فتملكهن الخوف ونكسن وجوههن إلى الأرض. عندئذ قال لهن الرجلان: «لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟
6 إنه ليس هنا، ولكنه قد قام! اذكرن ما كلمكم به إذ كان بعد في الجليل
7 فقال: إن ابن الإنسان لابد أن يسلم إلى أيدي أناس خاطئين، فيصلب، وفي اليوم الثالث يقوم».
8 فتذكرن كلامه.
9 وإذ رجعن من القبر، أخبرن الأحد عشر والآخرين كلهم بهذه الأمور جميعا.
10 وكانت اللواتي أخبرن الرسل بذلك هن مريم المجدلية، ويونا، ومريم أم يعقوب، والأخريات اللواتي ذهبن معهن.
11 فبدا كلامهن في نظر الرسل كأنه هذيان، ولم يصدقوهن.
12 إلا أن بطرس قام وركض إلى القبر، وإذ انحنى رأى الأكفان الملفوفة وحدها، ثم مضى متعجبا مما حدث.
13 وكان اثنان منهم منطلقين في ذلك اليوم إلى قرية تبعد ستين غلوة (نحو سبعة أميال) عن أورشليم، اسمها عمواس.
14 وكانا يتحدثان عن جميع ما حدث
15 وبينما هما يتحدثان ويتباحثان، إذا يسوع نفسه قد اقترب إليهما وسار معهما.
16 ولكن أعينهما حجبت عن معرفته.
17 وسألهما: «أي حديث يجري بينكما وأنتما سائران؟» فتوقفا عابسين.
18 وأجاب أحدهما، واسمه كليوباس، فقال له: «أأنت وحدك الغريب النازل في أورشليم، ولا تعلم بما حدث فيها في هذه الأيام؟»
19 فقال لهما: «ماذا حدث؟» فقالا: «ما حدث ليسوع الناصري الذي كان نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله والشعب كله،
20 وكيف سلمه رؤساء الكهنة وحكامنا إلى عقوبة الموت وصلبوه.
21 ولكننا كنا نرجو أنه الموشك أن يفدي إسرائيل. ومع هذا كله، فاليوم هو اليوم الثالث منذ حدوث ذلك.
22 على أن بعض النساء منا أذهلننا، إذ قصدن إلى القبر باكرا
23 ولم يجدن جثمانه، فرجعن وقلن لنا إنهن شاهدن رؤيا: ملاكين يقولان إنه حي.
24 فذهب بعض الذين معنا إلى القبر فوجدوا الأمر صحيحا على حد ما قالت النساء أيضا، وأما هو فلم يروه!»
25 فقال لهما: «ياقليلي الفهم وبطيئي القلب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء!
26 أما كان لابد أن يعاني المسيح هذه الآلام ثم يدخل إلى مجده؟»
27 ثم أخذ يفسر لهما، منطلقا من موسى ومن الأنبياء جميعا، ما ورد عنه في جميع الكتب.
28 ثم اقتربوا من القرية التي كان التلميذان يقصدانها، وتظاهر هو بأنه ذاهب إلى مكان أبعد.
29 فألحا عليه قائلين: «انزل عندنا، فقد مال النهار واقترب المساء». فدخل لينزل عندهما.
30 ولما اتكأ معهما، أخذ الخبز، وبارك، وكسر، وأعطاهما.
31 فانفتحت أعينهما وعرفاه. ثم اختفى عنهما.
32 فقال أحدهما للآخر: «أما كان قلبنا يلتهب في صدورنا فيما كان يحدثنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟»
33 ثم قاما في تلك الساعة عينها، ورجعا إلى أورشليم، فوجدا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين،
34 وكانوا يقولون: «حقا إن الرب قام، وقد ظهر لسمعان».
35 فأخبراهم بما حدث في الطريق، وكيف عرفا الرب عند كسر الخبز.
36 وفيما هما يتكلمان بذلك، وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: «سلام لكم!»
37 ولكنهم، لذعرهم وخوفهم، توهموا أنهم يرون شبحا.
38 فقال لهم: «ما بالكم مضطربين؟ ولماذا تنبعث الشكوك في قلوبكم؟
39 انظروا يدي وقدمي، فأنا هو بنفسي. المسوني وتحققوا، فإن الشبح ليس له لحم وعظام كما ترون لي».
40 وإذ قال ذلك، أراهم يديه وقدميه.
41 وإذ مازالوا غير مصدقين من الفرح ومتعجبين، قال لهم: «أعندكم هنا ما يؤكل؟»
42 فناولوه قطعة سمك مشوي.
43 فأخذها أمامهم وأكل.
44 ثم قال لهم: «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا مازلت بينكم: أنه لابد أن يتم كل ما كتب عني في شريعة موسى وكتب الأنبياء والمزامير».
45 ثم فتح أذهانهم ليفهموا الكتب،
46 وقال لهم: «هكذا قد كتب، وهكذا كان لابد أن يتألم المسيح ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث،
47 وأن يبشر باسمه بالتوبة وغفران الخطايا في جميع الأمم انطلاقا من أورشليم.
48 وأنتم شهود على هذه الأمور.
49 وها أنا سأرسل إليكم ما وعد به أبي. ولكن أقيموا في المدينة حتى تلبسوا القوة من الأعالي!»
50 ثم اقتادهم إلى خارج المدينة إلى بيت عنيا. وباركهم رافعا يديه.
51 وبينما كان يباركهم، انفصل عنهم وأصعد إلى السماء
52 فسجدوا له، ثم رجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم،
53 وكانوا يذهبون دائما إلى الهيكل، حيث يسبحون الله ويباركونه.